هو الشيخ حسن محمد العطار، المولود فى القاهرة عام 1776، وشيخ الأزهر عام 1830 بقرار من محمد على باشا والى مصر، والصديق الحميم للجبرتى المؤرخ، وأسهم معه فى تأليف كتابه «مظهر التقديس»، حسبما يذكر أحمد تيمور باشا فى كتابه «أعلام الفكر الإسلامى فى العصر الحديث».
توفى «العطار» فى 22 مارس، مثل هذا اليوم، عام 1835، وبين الحياة والموت مضى هذا الشيخ الجليل عمره متنقلا من بلد إلى آخر، متمسكا بالاستنارة والعلم، مؤكدا أنه لا طريق إلى التقدم إلا بهما، وفقا للدكتور عبدالعزيز محمد الشناوى فى كتابه «الأزهر جامع وجامعة»، مضيفا: «عرف عنه التحرر الفكرى والبعد عن الجمود، والدعوة المكررة إلى إدخال العلوم الحديثة فى الأزهر مع استمرار العناية بعلوم الدين والفقه واللغة، وكان يشكو قبل أن يتولى مشيخة الجامع الأزهر من قصور دراسات الأزهر وكتبه عن مواكبة الاتجاهات العلمية الحديثة»، وذكر الشيخ على مبارك قول الشيخ العطار: «إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها، ويتعجب مما وصلت إليه تلك الأمة «وهى الفرنسية» من المعارف والعلوم، وكثرة كتبهم وتحريرها وتقريبها لطرق الاستفادة».
يذكر الشناوى، أن الشيخ العطار قام فى عام 1826 «قبل أن يتولى مشيخة الأزهر» بترشيح الشيخ رفاعة الطهطاوى لدى محمد على باشا لتعيينه إماما للبعثة التعليمية، التى أوفدها هذا الوالى إلى باريس فى تلك السنة، وأشار على الشيخ رفاعة بأن يسجل ما يشاهده فى فرنسا من الأمور التى يرى فيها نفعا ثقافيا للمصريين بوقوفهم على جوانب الحضارة الأوروبية، واستجاب الشيخ رفاعة لتوجيه أستاذه، فكان أن وضع كتابه المشهور «تلخيص الإبريز فى تلخيص باريز» ثم خطا الشيخ العطار خطوة أخرى فأوصى محمد على بطبع هذا الكتاب، فقامت المطبعة الأميرية بطبعه ونشره.
نحن بهذه المواصفات أمام سيرة شيخ جليل ورائد للتنوير، حيث نبه مبكرا بضرورة أن يواكب الأزهر العصر باقتحامه العلوم الحديثة، ويذكر «تيمور باشا»، أن العطار بدأ يخرج عن الجمود العلمى الأزهرى بتدريسه المواد الممنوعة، إذ بدأ يدرس الجغرافيا والتاريخ فى الأزهر وخارج نطاق الأزهر.. يضيف: كان من مظاهر حركته التجديدية فى مجال الثقافة والتعليم، دعوته إلى إدخال العلوم العصرية، وعبارته فى ذلك معروفة وهى: «إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها».
اجتمعت رؤيته التجديدية بعد رحلة يشرحها عبدالمتعال الصعيدى فى كتابه «تاريخ الإصلاح فى الأزهر»، قائلا: «طلب العلم فى الأزهر كغيره من الطلاب، ولكن تهيأت له عوامل كان لها أثرها فى حياته، ولم تتهيأ لغيره من أهل الأزهر، لأنه أخذ نفسه بالسياحة فى الأقطار الإسلامية من الشام وغيرها، فلقى كثيرا من العلماء فى تلك السياحة، ونقب فيها عن كثير من كتب المتقدمين التى أهملها علماء عصره، فاستفاد كثيرا من سياحته، وارتفع بها عن أهل الأزهر بعد أن عاد إليهم».. يضيف «الصعيدى»: «لما دخل الفرنسيون مصر «الحملة الفرنسية 1798-1801» لم يقصر فى الاتصال بعلمائهم كما قصر أهل الأزهر، ولم يقعد عن البحث فى سر نهضتهم وقوتهم كما قعد أهل الأزهر، فعرف عن سر نهضتهم ما لم يعرفوه، واطلع على بعض علومهم، وشاهد بعض ابتكاراتهم العلمية والصناعية».
اتصل بمحمد على باشا، بعد أن تولى حكم مصر عام 1805، ويشرح «الصعيدى» طبيعة هذا الاتصال وأثره قائلا: «لما أدرك من نهضة الفرنسيين العلمية ما أدرك، وشاهد من جهود محمد على باشا فى النهوض بمصر ما شاهده، حز فى نفسه غفلة أهل الأزهر عن الأخذ بأسباب النهوض، وقعودهم عن مسايرة ركب الإصلاح، فكان يرى الدنيا تسير بجوارهم وهم ساكنون، ويرى الأحوال تتغير فى مصر وهم لا يتغيرون، فيستولى عليه الغم والحزن، ثم يفرج عن نفسه بشكوى خافتة يبثها فى مواضع متفرقة من كتبه، لا يعثر الباحث عليها إلا مصادفة، ولا يجدها فيها إلا استطرادا، لأنه كان فى يأس من أهل الأزهر، ولم يكن يرى حوله من يسمع لشكواه، فلم يتحدث بها إلا فى تلك المواضع، لعل أحدا يراها بعده فيسمع لها، وينتفع منها بما لم ينتفع به أهل عصره».
يبدو الشيخ العطار وكأنه يخاطب عصرنا من خلال الرأى، الذى يذكره عنه عبدالمتعال الصعيدى، قائلا: «لا شك أن موقف الشيخ حسن العطار من العلوم الرياضية بشكلها الجديد يدل على ما كان يمتاز به من مرونة عقلية ودينية، وعلى أنه كان فى هذا أحسن حالا من أهل الأزهر الذين حاربوها بعده باسم الدين، لا لشىء إلا لأنها أتت بشكلها الجديد من أوروبا وهى تخالفنا فى الدين».