•• الأكياس البلاستيكية محظورة حفاظاً على البيئة.. واستبدالها بالورقية لتعبئة الفاكهة والخضروات وزجاجات المياه
•• يوميات السائق الرواندى "عزرا" مع الوفد الإعلامى المصرى.. وكواليس اختيار السفارة إقامة البعثة فى فندقى "لابوش" و"بريما"
•• رواندا صارت قبلة الباحثين عن الراحة والهدوء والجمال.. واستطاعت استقطاب "السائح المتميز" الذى يستطيع دفع 750 دولاراً لمشاهدة "الغوريلا"
•• فى "كيجالى" لا تحتاج إلى أجهزة تكييف أو وسائل ملطفة للجو.. فدرجة الحرارة طوال العام بين 12 إلى 27
•• الخير فى التوجه جنوباً لا شمالاً
كان النهار قد انتصف عندما وصلنا إلى رواندا، بعد رحلة من القاهرة إلى العاصمة كيجالى استمرت من الثانية والنصف صباح الجمعة وحتى الساعة الواحدة بعد ظهر اليوم نفسه، توسطها 4 ساعات "ترانزيت" بمطار أديس أبابا.
أمام "السير" الخاص باستلام الحقائب فى مطار كيجالى الدولى، لم ننتظر سوى دقائق معدودة، عكس كثير من العواصم الكبيرة التى زرناها، وبعد أن استلمنا حقائبنا، فوجئت بأحد العاملين بالسفارة المصرية فى كيجالى يشدد علىّ بضرورة إزالة "التغليف البلاستيكى" حول حقيبتى السفر اللتان أحملهما، حيث إن هناك نظاماً صارماً فى رواندا يمنع حمل أى مقتنيات داخل الأكياس البلاستيك، حفاظاً على البيئة؛ فيما تستخدم المتاجر والمحلات والأسواق الأكياس الورقية لتعبئة الفاكهة والخضروات وجميع أنواع المشتريات من معلبات ومياه معدنية، وهنا أدركت على الفور لماذا اختارت الأمم المتحدة "كيجالى" المدينة الأجمل فى أفريقيا لعام 2015، (أول مدينة؛ فى أفريقيا يمنح لها جائزة زخرفة المساكن مع جائزة شرف لاهتمامها بالنظافة والأمن والمحافظة على نظام المدينة النموذجية).
فى الطريق من المطار إلى فندق الإقامة، لفت انتباهى نظافة الشوارع بطريقة مذهلة، أثارت تساؤلات الوفد الإعلامى المرافق للرئيس عبد الفتاح السيسي لتغطية القمة الأفريقية رقم 27، فهل هذه حقاً عاصمة أفريقية، فى بلد عصفته حرب أهلية عرقية شردت الآلاف وقتلت نحو من 800 ألف إلى مليون مواطن؟!
وعلى مستوى الأمن، فحدث ولا حرج، فبين كل بعض أمتار تتواجد الشرطة، وعندما قلت إن هذا طبيعى بسبب انعقاد القمة الأفريقية وحضور عدد كبير من الزعماء ورؤساء الحكومات والمسئولين الأفارقة، كان رد مسئولى السفار بأن هذا الانتشار أمر طبيعى على مدار السنة؛ وهنا أدركت انعكاس ذلك على السياحة فى عاصمة زارها مليون سائح أجنبى فى عام واحد من مختلف القارات.
لم يكن انتشار الأمن بكثافة فقط هو الذى لفت نظرى، بل احترام المواطنين الروانديين لتعليمات الأمن تدعو للدهشة، فهنا لا أحد يفكر فى ارتكاب خطأ أو يسير عكس قانون الدولة، فهو يعرف أن السجن ينتظره، وربما كان العقاب أبعد مما نتخيل..!
وهنا واقعة حقيقة، فبسبب محدودية إمكانيات السفارة المصرية فى رواندا، والضغط الكبير عليها أثناء الزيارة بسبب الوفد المصرى الكبير من المسئولين ومرافقى الرئيس، لم تتمكن السفارة من توفير سيارة لنقل مجموعة الصحفيين المكونة من 7 أشخاص، حتى أنه بسبب الإقبال الكبير على الفنادق فى فترة انعقاد القمة، لم تتمكن كذلك السفارة من حجز غرف للوفد الصحفى فى فندق واحد، وتم تقسيم المجموعة المكونة من 7 أشخاص على فندقين هما "لابوش" القريب من مقر إقامة الرئيس السيسي، و"بريما" القريب من مركز المؤتمرات، وكنت أنا ضمن مجموعة "بريما" التى اتفقت مع أحد السائقين الروانديين، لتوصيلنا يومياً إلى مقر انعقاد القمة وتحركاتنا للتسوق مقابل أجر يومى.
السائق اسمه "عزرا" كان مطيعاً جداً وصادقاً وقنوعاً، ويتحرك إلينا بسيارته مسرعاً كلما احتجناه، ولا يمل من انتظارنا سواء فى ساحة الفندق او أمام مركز المؤتمرات، وهو يتحدث الفرنسية بطلاقة، ويتحدث الإنجليزية بشكل جيد؛ وقد لفت انتباهى كيف يحترم هذا السائق الرواندى تعليمات المرور، فرغم أن جميع أوراقه "رخصتا القيادة والسيارة" سليمة، ورغم الطرق فى اليوم الختامى للقمة كانت مغلقة لصالح مرور الزعماء والمسئولين، وبالتالى انتظرنا ساعات حتى تفتح الطرق، إلا أنه ظل محافظاً على هدوئه دون "نفخ" أو "تمتمة" كما هو الحال عندنا فى مصر فى مواقف مشابهة، بل وراقبت تصرفاته طوال فترة الانتظار فظهر وكأنه "يرتعد" من رجال الشرطة، وينظر إليهم فى صمت ولم يتحرك إلا عندما أشار إليه رجل الأمن بعد انتظار طويل.
لا توجد تكييفات أو وسائل لتلطيف الجو فى كيجالى بالفنادق، لأنك هنا فى غنى عن هذا كله، وبالرغم من قربها من خط الاستواء، إلا أنها وبسبب ارتفاع سطحها تتميز بمناخ معتدل الحرارة، فمعدل درجة حرارة العاصمة كيجالى اليومى ما بين 12 و 27 درجة مئوية، مع اختلاف طفيف خلال العام.
كما تشتهر رواندا بالتضاريس الجميلة، حيث المرتفعات والمناظر الطبيعية الخلابة، والتلال البديعة، ووفرة الحياة البرية، بما فى ذلك حيوانات الغوريلا الجبلية النادرة التى تحظى بشعبية لدى عشاق البيئة، وتعتبر السياحة أحد أكبر القطاعات فى اقتصاد البلد.
وجمهورية رواندا وتعنى "أرض الألف تل"، هى دولة فى شرق أفريقيا بمنطقة البحيرات العظمى الأفريقية لشرق وسط أفريقيا، تحدها تنزانيا شرقا وأوغندا شمالا والكونغو الديموقراطية غربًا وبوروندى جنوبًا، وهى تعد بالإضافة إلى بوروندى من أقاليم الكونغو الكبير.
وتبلغ مساحة رواندا 26338 كيلو متر مربع، وتقع بأكملها على ارتفاع عالٍ، وأدنى نقطة فيها على نهر "روسيزى"، بمنسوب 950 متر فوق مستوى سطح البحر.
تكتسب رواندا شهرتها، من ما يعرف بـ"الإبادة الجماعية" خلال الحرب الأهلية التى اندلعت فى أبريل عام 1994 بين قبيلتى التوتسى، التى حكمت البلاد لقرون، وأغلبية الهوتو، التى كانت قد تولت السلطة من العام 1959 إلى العام 1962 وأطاحت بالنظام الملكى التوتسى.
ورغم أن أرقام القتلى متضاربة، إلا أن هناك أراء كثيرة ترجح أن يكون عدد القتلى جراء تلك الحرب الأهلية بين 800 ألف إلى مليون شخص.
ففى السادس من أبريل من عام 1994 أصاب صاروخان الطائرة الرئاسية الرواندية أثناء اقترابها من مطار كيجالى الرواندى ما أدى إلى سقوطها على الأرض ومقتل جميع ركابها، من بينهم زعيم رواندا "جوفينال هابياريمانا" والرئيس البوروندى "سيبريان نتارياميرا".
وعقب الحادث مباشرةً انطلقت المجازر عبر رواندا بأكملها وبدأت عمليات القتل التى قضت على خُمس سكان البلاد، بالمناجل والمطارق والسيوف.
وتشير التقارير إلى أن هذه المجازر هى ثمار تدفق الكراهية القبلية من قبل قبيلة الهوتو ذات الأغلبية فى البلاد ضد الأقلية من قبيلة التوتسى بسبب وفاة الرئيس الذى ينتمى للهوتو؛ لكن هناك تقارير أخرى ذهبت إلى أنه تم التخطيط لهذه المجازر قبل ذلك بمدة طويلة، حيث تم وضع قوائم لقبيلة التوتسى وتوزيعها، وتم نقل وتخزين شحنات تحتوى على المناجل، كما أن المحطات الإذاعية كان لها دور كبير فى التحريض على القتل.
المسيحية هى أكبر ديانة فى البلد، واللغة الرئيسية هى 'الكينيارواندية"، كما أن الفرنسية والإنجليزية تستخدم كلغات رسمية؛ ووفقا لتعداد 2002 فإن عدد السكان المسلمين يشكل 30 % من مجموع سكان رواندا، لكن هناك تقرير من الحكومة الرواندية أشار إلى أنه فى 1 نوفمبر 2006 كان 56.5% من سكان رواندا كاثوليك، و 26% بروتستانت، و 11.1% أدفنتست، و 4.6% مسلمين، و 1.7% علمانيين.
ووفقاً لتقديرات السفارة المصرية فى كيجالى، فإن الجالية المصرية فى رواندا لا تزيد عن 44 شخصاً فقط، بينهم رجل أعمال لديه استثمارات هنا، وطبيب وطبيبة متزوجين ويكتسبان شهرة كبيرة فى كيجالى ولديهما استثمارات محدودة أيضاً إلى جانب عملهما الأساسى كطبيبين متخصصين فى "النساء والتوليد"، وقد التقاهما "انفراد" وأجرى معهما حواراً ينشر لاحقاً.
بذلت رواندا مجهوداً جباراً فى مكافحة الفساد وفرض الأمن والاستقرار، خاصة مع تولى الرئيس الحالى للبلاد "بول كاجامى" مقاليد الحكم منذ عام 2000. وتمثل رواندا أعلى نسبة فى العالم من النساء التى تحتل المناصب الحكومية بما يتناسب مع عدد السكان.
وفيما يتعلق بالاقتصاد الرواندى، فقد تأثر بشكل كبير بالطبع خلال الإبادة الجماعية، لكنها حاليا تعتمد على السياحة بشكل رئيسى وهى القطاع الرائد ومصدر النقد الأجنبى فى البلاد، كما أنها تعتمد زراعة القهوة والشاى وهما من أهم المحاصيل الزراعية فى رواندا.
وتشتهر رواندا بتربية "الغوريلا الجبلية"، فى الحديقة الوطنية للبراكين، والتى تكلف السائح الواحد 750 دولاراً لزيارتها، ورغم أن المبلغ كبير إلا أن رواندا استطاعت تسويق ذلك وجذب الآلاف من السائحين لمشاهدة "الغوريلا" التى يمكن زيارتها بأمان، كما توجد غابات نيونجوى، وموطن حيوانات الشمبانزى، وأماكن احتياطى السافانا الصغيرة فى شرق البلاد، وقرود روفينزورى منتجعات بحيرة كيفو، كعوامل أخرى للجذب السياحى.
نجحت رواندا فى النهوض سريعاً بعد الإبادة الجماعية عام 1994، وها هى تمتلك أجمل مدينة أفريقية، حققت السياحة وحدها نحو 43% من من الدخل الإجمالى للبلاد، ونجحت الحكومة الرواندية الحالية فى تسويق "كيجالى" كوجهة آمنة عن طريق تطبيق القوانين الصارمة الملزمة للمواطنين، فصارت من أنظف وأرقى المدن فى القارة السمراء، وكان لحرص وترحيب الدولة الرواندية باستضافة القمة الأفريقية رقم 27، رسالة مهمة أرادوا توصيلها للعالم بأن رواندا ستحتفل مكانة متقدمة جداً على خريطة العالم خلال سنوات قليلة، وأن رئيسها الحالى كاجامى، يسير بخطى سريعة نحو تحقيق مجد كبير لهذا البلد الصاعد بقوة.
الصورة الذهنية لدينا عن الأفارقة تحتاج إلى إعادة نظر، إعلاميا وثقافيا، خاصة أن أغلب الشعب المصرى لم يصدق بعد أن هذه الدول تغيرت وتمتلك بنية تحتية متميزة وشبكات طرق ونقل، ومبانٍ وفنادق عملاقة، وعلاقات دولية شرقاً وغرباً، وانتعاش سياسى يتجاوز طموحاتنا الحالية.
نحن نحتاج إلى إعلام مستنير يخاطب المواطن والمستثمر المصرى، ويركز على إيجابيات البلدان السمراء، التى تنمو وتتقدم بسرعة الصاروخ، فيما لا زلنا نسخر منهم فى برامجنا ومسلسلاتنا وأفلامنا، بكل عنصرية ظالمة حتى تكون لدى الطفل النصرى بأن هذه الدول ليس لديها سوى المجاعات والفقر والجفاف والأمراض والحيوانات الضالة والمفترسة..!
(صدقونى..الخير فى التوجه جنوباً لا شمالاً)
موضوعات المتعلقة..
- سفيرة مصر برواندا تمنح العاملين بالسفارة إجازة يوما بعد نجاح زيارة السيسي