قرار رئيس الوحدة المحلية بغلق ورشة رخام يديرها معاق لمساومته على نسبة الإيراد يتصادم مع حقه الدستورى فى العمل
المحكمة: على جهات الإدارة بالحكومة الارتقاء فكريا فى التعامل مع المعاقين
أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، حكما مستنيرا لصالح ذوى الإعاقة بشأن حقوقهم الدستورية فى العمل وعلاقتهم بجهات الإدارة، أرست بمقتضاه مبدأ جديدا أكدت فيه أنه محظور على الدولة التمييز بين المواطنين بسبب الإعاقة وعليها المساواة بين العامل المعاق وغيره من الأصحاء.
وأكدت أيضا على أن أهداف ثورة 30 يونيو 2013 أتت بثمارها على فئة كانت مهمشة من الأشخاص ذوى الإعاقة لسنوات طويلة وأنه يجب على الجهات الإدارية أن ترتقى بفكرها فى التعامل من تلك الفئة ليتواكب مع الإلزام الدستورى غير المسبوق، وأكدت على أن قرار رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة شبراخيت بغلق ورشة رخام يديرها معاق تحدى إعاقته لمساومته على نسبة الإيراد يتصادم مع حقه الدستورى فى العمل ولا يجب استغلاق موارد أرزاق العباد خاصة المعاقين .
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صالح كشك ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة بوقف تنفيذ القرار الصادر من رئيس الوحدة المحلية لمركز ومدينة شبراخيت فيما تضمنه غلق ورشة أعمال الرخام التابعة لجهة الإدارة والتى كان يديرها أحد العاملين المعاقين وما يترتب على ذلك من أثار أخصها الأمر بإعادة فتح تلك الورشة مورد الرزق وألزمت الإدارة المصروفات .
قالت المحكمة إن المشرع الدستورى حفل بإغداق الحماية على ذوى الإعاقة فى ستة نصوص دستورية متنوعة ولأول مرة فى تاريخ الدساتير المصرية وبحسبان أن تلك الفئة لم يكن لها أى وجود دستورى على مدى عقود زمنية ماضية وعلى القمة منها أنه أضاف إلى صور التمييز بين المواطنين بصدد مبدأ المساواة ولأول مرة التمييز بينهم بسبب الإعاقة إذ نص على أن المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كل أشكال التمييز، ومن ثم أضحت الدولة ملزمة أن تضمن لهم الحقوق والحريات وتوفير فرص العمل وتمكنهم من المساواة مع غيرهم .
وأضافت المحكمة أن المشرع الدستورى ألزم الدولة أيضا بضمان حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والأقزام صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين وذلك التعداد الدستورى كان على سبيل المثال وليس الحصر فالتزام الدولة بضمان حقوق المعاقين يجب أن يكون كافة المجالات بل والالتزام بتمثيلهم فى المجالس النيابية والبرلمانية، وهو إنجاز غير مسبوق وفى هذا تحقيق جزء كبير من أهداف الثورة التى قامت فى 30 يونيو 2013 التى أتت بثمارها على فئة كانت مهمشة من الأشخاص ذوى الإعاقة لمدة سنوات طويلة .
وأوضحت المحكمة أنه لا يجب أن يغرب عن البال أن المشرع الدستورى منح المجلس القومى لذوى الإعاقة استقلاليته الفنية والمالية والإدارية بوصف ذلك المجلس كيانًا اعتباريا مستقلا يُحترم وتُؤخذ بآرائه وتوصياته فى حسبان المُشرّع العادى لسن القوانين المناسبة المنصفة لكل مصرى اختبرته السماء بإعاقة ما ايا كان نوعها وفقا للقانون .
وذكرت المحكمة أنه إذا كان الأصل فى العقود المدنية والإدارية بين الأفراد الأصحاء وبين الإدارة أن العقد شريعة المتعاقدين بحيث تقوم قواعده مقام قواعد القانون بالنسبة لطرفيه فإنه ينبغى من باب أولى أن ينطبق أيضا على ذوى الإعاقة، بحيث إنه بانعقاد العقد يصير كل من أطرافه ملزماً بتنفيذ ما اتفق عليه ولا يكون لأى منهم التحلل من التزاماته بإرادته المنفردة أو تعديل ما اتفق عليه ما لم يكن هناك نص قانونى يقضى بذلك التعديل وأنه يجب تنفيذ العقد طبقاٌ لما اشتمل عليه بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية.
وانتهت المحكمة فى حكمها الإنسانى الرائع أن المدعى من ذوى الإعاقة إلا أنه لم يستكن أو يرتكن لغيره بل كان متحديا لإعاقته وأبرم مع رئيس الوحدة المحلية لقرية محلة فرنوى بصفته اتفاقا على أن يقوم بالعمل فى ورشة الصيانة التابعة للوحدة المحلية لتلك القرية طبقا للائحة التشغيلية للورشة فى مجال أعمال الرخام ـ وليس طبقا لقانون المحال التجارية والصناعية ـ على أن يتقاضى المدعى المعاق 50% من قيمة إيرادات الورشة مقابل عمله وهو المعاق، أما الـ50% الباقية فتعتبر إيراد للوحدة المحلية لقرية فرنوى وقد صدر هذا العقد بعد موافقة سكرتير عام مساعد المحافظة على طلب الوحدة المحلية لمركز ومدينة شبراخيت بفتح قسم خاص بأعمال الرخام داخل ورشة الصيانة بالوحدة المحلية لقرية فرنوى وقد قام المدعى وهو من ذوى الاحتياجات الخاصة بعمله على أكمل وجه بل واستطاع أن يجذب معه اثنين وعشرين عاملا إلا أنه فوجئ بالقرار المطعون فيه من الوحدة المحلية لمركز ومدينة شبراخيت بغلق الورشة الرخام بسبب مساومته فى النسبة وبحجة إدارتها بدون ترخيص على الرغم من أن الورشة تابعة للوحدة المحلية لقرية محلة فرنوى طبقا للائحة التشغيلية وهو ما يعنى أنها تابعة للجهة الإدارية وتعمل طبقا للقانون، وما كان ينبغى على الإدارة أن تستغلق فى وجه المدعى باب الرزق وهى عليمة بإعاقته لتضيف إلى حياته ظلمة وعتمة بدلا من أن تنير أمامه طريق الحياة سيما وأنه رغم إعاقته استطاع أن يستجمع حوله اثنين وعشرين أسرة تعمل وترتزق معه أكل الحياة، ولا يجب استغلاق أبواب أرزاق العباد خاصة المعاقين، الأمر الذى يكون معه قرار غلق باب الرزق مخالفاً لصحيح حكم القانون .