حالة من الجنون واللامنطق، تتصدر المشهد التركى الآن؛ من عزل واعتقال الآلاف إلى إهانة وإذلال أفراد جيشه المتمردين، ومساعى لتطبيق عقوبة الإعدام.. إجراءات "انتقامية" لجأ إليها "السلطان العثمانى" رجب طيب أردوغان المنتشى بنصره "المؤقت"، يقابله مطالبات دولية متكررة باحترام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
فيما يبدو أنها عملية "تطهير جماعية"، بلغ عدد المعتقلين والمُقالين 18 ألف شخصا حتى الآن، بينهم 6 آلاف عسكرى و9 آلاف من الشرطة فضلا عن 3 آلاف قاضى و30 محافظا وحوالى ثلث كبار مسئولى الجيش، وبحسب المعلن، فمجموع من فقدوا أعمالهم خلال 3 أيام في تركيا 43325 موظفا مدنيا وشرطيا ودركيا وعسكريا، فضلا عن مشاهد إذلال أفراد القوات المسلحة والتنكيل بهم.. تجاوز الجنون لدرجة إعلان هيئة الشؤون الدينية في تركيا، أن الانقلابيين الذين قتلوا سيحرمون من صلاة الجنازة، كما أن الرئيس التركى لا يريد تقديم طعاما لهم فى السجون مادام سيقوم بإعدامهم.
تمرد الجمعة الماضى هو المرة الأولى التى يفشل فيها الجيش بعد أربع انقلابات ناجحة خلال العقود الماضية (1960-1971-1980-1997)، لكن يبدو أن الرئيس التركى سينجح الانقلاب ويحقق أهدافه، فرغم تأييد الحكومة التركية من جانب غالبية الدول عقب فشل محاولة الانقلاب، لكن لم يمر سوى ساعات قليلة وكشف أردوغان عن وجهه "الإسلامى الاستبدادى" بإجراءات انتقامية يطهر بها مؤسسات الدولة من معارضيه، بعد أن زادت سلطته قوة جراء فشل التمرد العسكرى.
ويعمل "الخليفة العثمانى"، على تعميق الانقسام والاستقطاب دخل المجتمع التركى، وظهر جليا الرغبة لدى الرئيس التركى فى تصفيه معارضيه من أنصار الداعية فتح الله جولن - رفيق الماضى- قبل أن ينقلب عليه، ويردد دائما بأنه (الأخير) يعمل على إقامة جولة موازية فى بلاده تمهيدا للهيمنة على السلطة بتركيا، رغم أن "جولن" سارع برفض محاول الانقلاب فى بدايتها.
لكن أردوغان مستمر فى استبداده وتصفية الحسابات وسط تأييد الإسلاميين المبتهجين والمنتشين بما يفعله الخليفة العثمانى من أسلمة مؤسسات مثلما كان يسعى إليه الإخوان فى مصر.. وهذا الاستبداد المدعوم من أنصار حزبه وإخوانه والإسلاميين قد يكون أشد وطأة من ديكتاتورية الانقلابيين لو كانوا نجحوا فى تمردهم.
ويبدو أن ما تحدث عنه يوهانس هان، المفوض المسؤول عن توسعة الاتحاد الأوروبى، بأن الحكومة التركية أعدت قائمة الاعتقالات منذ فترة، أمرا صحيحا، فكيف يتم اعتقال وعزل عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين والقضاة بزعم مشاركتهم مشاركتهم العسكريين المتمردين فى محاولة الانقلاب الفاشلة؟!
رغم فشل الانقلاب عملياتيا، فتداعيات محاولة الانقلاب ستضرب باستقرار تركيا، بعد اتهام الآلاف من رجال الجيش بالخيانة ورغبة متوحشة فى إعدامهم، ومساعيه لاستئصال الأتاتوركية، الأمر الذى بات يشكل تهديدا على تركيا العلمانية، وما فعله أردوغان -عدو الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعى- الذى لجأ إلى الشرطة التى ظهرت بمظهر الحرس الثورى يوم الجمعة الماضى، وأنصاره من التنكيل بأفراد الجيش وعزمه تغيير القانون لتنفيذ عقوبة الإعدام، والذى بالطبع يغضب مشاعر الكثير من عناصر بالجيش الذى يعتبر العلمانية خطا أحمر وحامى للجمهورية، وقادته التى قد تقود انقلابا حقيقا فى يوما من الأيام ضد الرئيس التركى ومليشياته التى أهانت العسكرية.
ورغم أن الدول الكبرى لم توافق على الإطاحة به إلا أنها تحمل غضبا دفينا وتضيق ذرعا بالرئيس التركى وظهر جليا فى البيانات الأولى من دعوة لضبط للنفس قبل بيان تأييد "الحكومة المنتخبة"، لكن رحيل أردوغان هدف مرغوب من كثير من الدول بسبب سياساته التى تعمق الانقسامات داخل المجتمع التركى بيننه وبين القوى الصوفية والعلمانية، وكذلك الأكراد والقوميين الأتراك المتطرفين، ويبدو أن الوضع سيزداد سواء وربما سيدعو "الخليفة العثمانى" لتوسيع صلاحياته بالدعوة لانتخابات مبكرة للفوز بأغلبية برلمانية من أجل تغيير الدستور.