فى عام 1990 كان المخرج الكبير منغمسا فى العمل داخل البلاتوه، يتابع كل تفاصيل واستعدادات تصوير مسلسل ألف ليلة وليلة، كان يشعر ببعض التعب، لكنه تحامل على نفسه محاولا استكمال عمله، كانت معه ابنته لمياء التى تبلغ من العمر 12 عاما، أكلا معا مع باقى فريق العمل، حاول استئناف عمله لكنه لم يستطع، سقط فجأة والتف حوله كل الموجودين، شعرت الابنة بالرعب وهى ترى والدها بهذه الحالة، وحاول الأب طمأنتها وتهدئتها، قال لها بصوت ضعيف: «ما تخافيش، أنا كويس بس الأكل واقف على صدرى»، وبسرعة تم نقل المخرج الكبير إلى المستشفى، كانت الطفلة تحتضنه وتبكى وهى تراه يتألم ويحاول أن يخفى ألمه، وفى المستشفى ظلت إلى جواره ورأته وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ليكون هذا المشهد صدمة عمر الطفلة التى أصبحت فيما بعد الإعلامية لمياء فهمى عبدالحميد، ورأت آخر مشاهد حياة مخرج الفوازير العبقرى فهمى عبدالحميد.
اسمه يحمل كل ذكريات بهجة فوازير رمضان، فهو الساحر الذى امتلك خلطتها السرية، ولم يستطع شخص بعده أن يمتعنا ويرسم ذكرياتنا ويثير خيالنا مثله، ولا تزال بصماته وإبداعاته عالقة فى أذهاننا جميعا رغم رحيله عام 1990.
يكفى أن تتذكر استعراضات الفوازير التى يحفظها الكثيرون، وأن تسترجع تفاصيل وحكايات وشخصيات ألف ليلة وليلة، وأن تتخيل كيف استطاع أن يثير خيالنا بخدع فنية فى زمن كانت فيه الإمكانيات ضعيفة والتكنولوجيا بسيطة.
بدأ المخرج الكبير فهمى عبدالحميد إخراج الفوازير منذ عام 1975، حيث قدمتها الفنانة الاستعراضية الكبيرة نيللى لمدة 7 سنوات، ثم قدم الفنان الكبير سمير غانم فوازير فطوطة لمدة 3 سنوات، وبعده كانت شريهان بطلة الفوازير وألف ليلة وليلة لمدة 3 سنوات، ثم كانت فوازير المناسبات وقام ببطولتها الفنان الكبير يحيى الفخرانى مع الفنانتين هالة فؤاد وصابرين، وكانت فوازير الفنون بطولة مدحت صالح وشيرين رضا آخر فوازير أخرجها فهمى عبدالحميد، الذى توفى قبل العمل فى فوازير عالم ورق بطولة نيللى، وأخرجها بعد وفاته المخرج جمال عبدالحميد.
وفى عام 1989 وفى آخر أيام تصوير فوازير الفنون، التى قام ببطولتها مدحت صالح وشيرين رضا، وبعد أن استعد الجميع لمغادرة البلاتوه بعد شهور طويلة اعتادوا خلالها أن يعيشوا كأسرة واحدة، يجمعها هذا العمل الذى ينتظره الملايين كل عام، لم يتمالك الجميع أنفسهم تأثرا لأنهم سيفترقون، بكى أغلبهم، ولأول مرة لم يستطع المخرج الكبير أن يسيطر على دموعه، كان هناك شىء مختلف جعله يشعر بأنها قد تكون المرة الأخيرة، انزوى فى ركن وجلس بعيدا وبكى بشدة على غير عادته، لاحظته ابنته ذات الاثنى عشر عاما، والتى كان يصطحبها كثيرا معه، فاقتربت منه وسألته عن سبب بكائه، فأجابها الأب متأثرا: «خلاص بقى مش هما بيقولوا كفاية فهمى عبدالحميد، أهوه كفاية فهمى عبدالحميد، ودى آخر سنة هعمل فيها الفوازير»، وبالفعل كانت هذه آخر فوازير أخرجها، والعام التالى توفى أثناء التحضير للفوازير الجديدة.
وفى حوار لـ«انفراد» مع الإعلامية لمياء فهمى عبدالحميد، تحدثت عن وفاة والدها المخرج الكبير الذى ظل يبدع لآخر نفس فى حياته حتى رحل أثناء عمله فى الاستديو، قالت: لم يكن أبى مريضا، ولكن كان دائما فى حالة ضغط وقلق، بسبب حرصه على العمل، وفى الفترة الأخيرة كان يقول بعض الكلمات التى لم نفهمها إلا بعد وفاته، فمثلا قبل وفاته بثلاثة أيام قال لى: «هنحتفل بعيد ميلادك اليوم، لأن ده آخر أسبوع هقعد معاكم فيه»، وقبل وفاته بكام يوم قال «أنا سايب لكم يا ولاد ثروة مش هتعرفوا قيمتها غير بعد موتى، وبعد 50 سنة هيقولوا كان فى واحد اسمه فهمى عبدالحميد».
وتابعت: «بابا كان يحمل دائما أفكارا جديدة، ويختار النجم الذى يناسب هذه الأفكار، فمثلا شخصية فطوطة كانت تحتاج رجلا، لذلك فكر فى الاستعانة بالفنان سمير غانم، وارتبطنا بعلاقات قوية مع أبطال الفوازير والعاملين بها حتى الآن، ومنهم نيللى وصابرين وشريهان ومدحت صالح وغيرهم، فكان والدى له رؤية خاصة، ويرى أشياء ومواهب لا يراها غيره، فمثلا قبل وفاته، وقبل أن نرى الفنانة يسرا تغنى، كان ينوى أن يستعين بها فى بطولة الفوازير، وكان يفكر فى الاستعانة بيونس شلبى أيضا فى شخصية جديدة اسمها حمادة النص، وكان يقضى أغلب وقته فى الاستديو».
وعن وفاته، قالت ابنة المخرج الكبير فهمى عبدالحميد: «من المواقف التى أثرت على والدى جدا قبل وفاته بشهر، عندما أذيعت سهرة تليفزيونية خُصصت للهجوم عليه، ورددت المذيعة وضيوفها عبارات من عينة: «هوة احنا ماعندناش غير فهمى عبدالحميد، اللى خلقه ماخلقش غيره؟.. نريد دما جديدا»، وهو ما أحزنه بشكل كبير، وأثر عليه»، مؤكدة أن والدها كان يسبق عصره ويمتلك سر خلطة الفوازير التى نجحت به ولم تعش كثيرا بعد وفاته.