اختير الفنان ناثان دوس قوميسير لسمبوزيوم أسوان للنحت فى دورته السابعة والعشرين وهى المرة الثانية التى يجرى فيها اختياره بعد الدورة السادسة والعشرين التى أشرف عليها كذلك، وقبل اختياره خاض رحلة طويلة مع الفن، تلال من التماثيل، وتلال من المجهود وتلال من الأمل، أفضت به فى النهاية إلى إدراك تام للخامات والمسافات والمقادير والنسب وتماثيل نالت إعجاب القاصى والدانى، والفنان وجامع التحف، المتخصص والساعى نحو الزينة والديكور، غير أن تمثال مجدى يعقوب كان نقطة فارقة لديه إذ لم يتوقف الإعجاب به عند حافة صفحته الشخصية؛ بل امتد لينتشر فى صفحات التواصل الاجتماعى وهو الذى أنشأه حبا وتقديرا للسير مجدى يعقوب بنوافذ وشمعات وخيوط معلقة تمثل الأمل، وكان لـ«انفراد» هذا الحوار مع ناثان دوس قوميسير آخر دورات سمبوزيوم أسوان للنحت الدولى.
البداية مع تمثال مجدى يعقوب كيف بدأت فكرة التمثال؟
لدى تنفيذ التمثال تحريّت الحفاظ على ابتسامة ملك القلوب، وقد وضعت أسفل التمثال 4 نوافذ لترمز لحجرات القلب الأربعة بداخلها قلب معلق يرمز إلى الأمل وشمعة موقدة تشير إلى أن العلماء ينيرون لنا الطريق، بدأت صنعه من الطين واستغرق ذلك 3 أيام، ثم تلت ذلك مرحلة الفيبر ليتحمل السفر، بدأت صنع التمثال فى القاهرة وكان على أن أسافر بالتمثال إلى أسوان لذا جاءت فكرة الفايبر، ونقلت قلب التمثال إلى أسوان واستكملت نحته هناك حتى أنجزته على النحو الذى نال به إعجاب الجمهور حين نشرت صوره على مواقع التواصل الاجتماعى.
وما سيكون مصير تمثال مجدى يعقوب هل سيوضع فى ميدان بأسوان؟
التمثال ليس مصمما ليوضع فى ميدان فهو ليس تمثال ميادين، بل إنه تمثال صمم ليوضع فى متحف أو مدخل، أتصور أنه سوف يوضع فى مدخل مركز مجدى يعقوب فى أسوان.
كيف ترى الدورة 27 من سمبوزيوم أسوان؟
الدورة كانت ناجحة وملتقى واسع للنحاتين المصريين والأجانب، النحاتون الأجانب أضافوا كثيرا للدورة 27 من السمبوزيوم، لديهم بعض الإضافات فى التقنية، الجغرافيا تخدمنا كثيرا بأن تسهل علينا قدوم نحاتين من دول البحر المتوسط، غير أن لى ملاحظة على «البوكيت مونى» الذى تمنحه وزارة الثقافة للنحاتين سواء المصريين أو الأجانب وأطالب بزيادته لأن هناك تكاليف ضخمة تقع على عاتق الفنانين فضلا عن الجهد الذى يبذلونه.
ألا تتفق معى أن الدورة 27 أكثر نجاحا من الدورة 26 على الرغم من كونك مسئولا عن الاثنتين؟
اتفق معك تماما، لكن لا بد من توضيح أمر مهم للغاية فلم أكن قوميسير الدورة 26 من سمبوزيوم أسوان منذ بدايتها بل كان هناك مسؤول آخر هو حسن كامل الذى اعتذر لظروف سفره إلى سلطنة عمان ومن ثم حللت مكانه، أما الدورة 27 فكانت خالصة لى، وراض تماما عن اختيارات الأعمال المشاركة فيها وفخور بالجهد الذى بذلته والنحاتون للوصول بالدورة 27 إلى شكلها النهائى.
دعنا نتكلم عن البدايات ونعود إلى المنيا مسقط رأسك كيف بدأت رحلتك مع الفن؟
أنا ابن أسرة بسيطة، نشأت فى قرية تابعة لملوى فى المنيا، وكبرت كأى طفل قروى، شدتنى الطبيعة بمناظرها ورأيت الكائنات وسعيت لتجسيدها، فى الصف الثانى الإعدادى أشار زميل لى فى المدرسة إلى أننى «رسيم» فى إشارة إلى قدرتى على الرسم، كانت الطبيعة مرجل نار فنى وميلى إلى الفنون، أتذكر أيام كانت أمى ترتب أشياءها الريفية مثل الفرن وغيره لتقوم بمهامها، لقد تعلمت من كل ذلك، غير أن والدى أراد لى أن أسلك مسلك اللاهوت، وأن أكون قسا أو شماسا فى الكنيسة لكننى أردت غير ذلك، رأيت أن العالم أكبر من ذلك، ثم التحقت بكلية الفنون الجميلة من هنا بدأت رحلتى مع الفن، وعندما كنت طالبا فى الفرقة الثانية وجهنى أحد أساتذتى إلى النحت حين قال لى إن النحت أفضل لى مضيفا: لا تضيع وقتك فى التصوير والرسم.
لكنك تميزت كثيرا بأعمالك متخذا الرمزية منهجا فما الذى جعلك مختلفا بين النحاتين؟
السير فى الاتجاه المغاير هو معنى من معانى الفن بالنسبة لى ألا أكون معتادا وألا أن أنحت بالطريقة المعتادة، عملت على نفسى كثيرا واشتغلت بخامات متعددة منذ قدومى للقاهرة، ورأيت أن إعطاء شكل مغاير للنحت يعطى جمالا عن طريق «الاسترتش» للأطراف مثل الأيدى والأرجل، الأمر له علاقة بثقافة متنوعة، بدراسة التشريح، والمنطق، وطبيعة العظام، ومن ثم تتكون فى مخيلتك الصورة التى ترغب فى نحتها، ثم يمكنك إعطاءها الرمزية التى تريد، والرسالة التى تحمل.
لكنك تعمل بطريقة مختلفة لا تعتمد القوالب فهل تخبرنا عن ذلك؟
لا أضع قطعى فى قوالب بمعنى أننى أنتج قطعة واحدة فقط، وهى المنتج النهائى بالنسبة لى، وللشرح فإن العادى هو أن تنتج قطعك النحتية عن طريق القوالب، وهذه القوالب تتيح لك إنتاج عشرات القطع متى أردت من نفس التمثال، أما أنا فلا أعتمد هذه الطريقة، لا أصنع القوالب، لا أمر بمراحل إنتاج القالب من الأساس، بل أقفز فوق تلك المراحل وأنتج قطعتى النحتية من خيالى مباشرة دون اللجوء إلى القوالب.
دعنا نتحدث عن التماثيل التى لا تعجب الناس فى الشوارع إذ نلاحظ من وقت لآخر تمثالا يتعرض للهجوم فى ميدان من الميادين ما السبب؟
السبب أن القائمين على إنشاء التماثيل فى الميادين أحيانا ما يفكرون فى أنهم لو وفروا فى الميزانية فإن ذلك سيكون خيرا لهم وأقول ولو أنهم أعطوا الأمر لأهله من البداية لبات كل شىء فى مكانه ولسارت الأمور على ما يرام.
وهل تتمنى وضع تماثيلك فى الميادين؟
اسأل أى نحات وسيقول لك إنه يتمنى أن يوضع تمثاله فى الميدان، فلا صوت يعلو فوق صوت ذلك.
وماذا عن وضع التماثيل فى الميادين هل يحتاج لشىء من المعالجة ومراعاة المقاييس؟
لا شك فى ذلك، لا بد من مراعاة المقاييس، فالتمثال حال وضعه فى ميدان لا بد من مراعاة مقاييس الطول والارتفاع، فإذا صممت تمثال ليوضع فى ميدان فإن ذلك يختلف كليا عن تصميم تمثال ليوضع فى متحف أو مكان مغلق.
وماذا عن أعمالك الأخرى بخلاف تمثال مجدى يعقوب؟
لدى تمثال طه حسين وهيباتيا وهما ممن عانوا معاناة كبرى فى تاريخنا، قلت لنفسى إن شخصا لم يعان مثلما عانى طه حسين ومن هنا جاءت فكرة تصميم تمثال له، هيباتيا أيضا عانت كثيرا، وكنت أسأل نفسى: هل يعقل أن يقتل هؤلاء الناس الطيبين هيباتيا قبل مئات السنوات، وقد كانت الإجابة الحاضرة هى أن الجهل والتطرف موجودان فى كل زمان ومكان وهما يفعلان الأفاعيل إذا اجتمعا، وستعرض هذه الأعمال فى أحدث معارضى المقررة فى الموسم الجديد خلال العام الجارى.
ما الذى تحلم به بالنسبة لسمبوزيوم أسوان؟
أتمنى أن يكون السفر بالطائرة متاحا بالنسبة لكل المشاركين فى السمبوزيوم فلا يليق أن يضيع الفنانون أياما فى القطارات، علما بأن السفر بالطائرة لا يفرق كثيرا عن السفر بالقطار من ناحية التكلفة، يجب أن نبحث عن وسيلة انتقال أكثر ملائمة للفنانين.
ناثان دوس وتمثال مجدى يعقوب فى مراحله الأولى