أيام قليلة فاصلت المملكة المتحدة عن اعتذار واعتراف كلاهما يتعلق بتاريخ المملكة مع العبودية والذي تمتلئ صفحاته بجرائم وتجاوزات ، حاولت وضع نهاية لها في عام 1833 ، بعد إصدار قانون يحظر الاستعباد في غالبية أركان الإمبراطورية البريطانية وترصد ما يقرب من 20 مليون جنيه إسترليني ـ تعادل 300 مليار حالياً ـ لصرفها كتعويضات ليس للعبيد المحررين ، وإنما لملاكهم عما ألم بهم من "ضرر" عن خسارة "ملكياتهم البشرية".
البداية كانت ببيان مطول نشرته صحيفة جارديان البريطانية قبل قرابة أسبوع ، اعتذر خلاله مالك الصحيفة عن الدور الذي لعبه المؤسسين في تجارة العبيد عبر المحيط الأطلنطي وأعلن عن برنامج للعدالة التصالحية لمدة عقد من الزمن.
وأعلنت مؤسسة "سكوت تراست" المالكة للصحيفة عن استثمار أكثر من 10 ملايين جنيه إسترليني (12.3 مليون دولار أمريكي) ، مع تخصيص الملايين للمجتمعات المتحدرة المرتبطة بمؤسسي الجارديان في القرن التاسع عشر.
اعتراف الجارديان جاء بعد بحث أكاديمي مستقل تم نشره نهاية مارس الماضي للتحقيق فيما إذا كانت هناك أي صلة تاريخية بين العبودية وجون إدوارد تايلور، الصحفي وتاجر القطن الذي أسس الصحيفة في عام 1821، ورجال الأعمال الآخرين في مانشستر الذين مولوا إنشاءها، وكشفت الدراسة عن أن تايلور و9 آخرين من داعميه الـ11، كانت لديهم صلات بالعبودية وخاصة من خلال صناعة النسيج. فقد كان لتايلور روابط متعددة من خلال شراكات في عدة شركات لتصنيع وتجارة القطن التي استوردت كميات هائلة من القطن الخام الذى ينتجه المستعبدون في الأمريكتين.
وتمكن الباحثون من جامعتى نوتنجهام وهال من تحديد روابط تايلور بالمزارع على طول ساحل ولايتى ساوث كارولينا وجورجيا وذلك بعد مراجعة دفتر فاتورة يوضح أن احدى شركات تجارة القطن التى كان لتايلور شراكات فيها، قد تلقت قطنا من المنطقة، وقد تضمنت الفاتورة الأحرف الأولى وأسماء أصحاب المزارع، ومن بين الممولين الأوائل لصحيفة الجارديان السير جورج فيليبس تاجر الهند الغربية الذى كان شريكا في ملكية مزرعة سكر في «هانوفر» بجامايكا. وفى عام 1835 حاول دون جدوى المطالبة بتعويض من الحكومة البريطانية عن خسارته لما اعتبره ممتلكاته البشرية- والتي كانت تشمل 108 عبيد. ومع ذلك فقد نجح شريكه في المطالبة بتعويض تبلغ قيمته اليوم حوالى 200 ألف جنيه استرلينى.
ولم تكتف "سكوت تراست" بالاعتذار للمجتمعات المتضررة بل اعتذرت المؤسسة أيضا عن المواقف التحريرية المبكرة للصحيفة التي ساعدت في دعم صناعة القطن وبالتالي استغلال العبيد.
وفى مقال لها، اعتذرت كاثرين فاينر رئيسة التحرير أيضا وقالت: إننا نواجه ونعتذر عن حقيقة أن مؤسسنا وأولئك الذين مولوه حصلوا على ثرواتهم من ممارسة كانت جريمة ضد الإنسانية. وأضافت مع دخول الصحيفة القرن الثالث كمنظمة إخبارية، يجب أن يعزز هذا التاريخ الفظيع تصميمنا على استخدام صحافتنا لفضح العنصرية وعدم المساواة.
اعتذار الصحيفة لم يكن السطر الأخير في رواية بريطانيا وتاريخ العبودية ، فبعد أيام قليلة ، نشرت الصحيفة نفسها وثيقة تؤكد تورط أفراد العائلة الملكية في المشاركة في تجارة العبيد قديما عبر المحيط الأطلسي، وبعد ظهور الوثيقة أشار الملك تشارلز لأول مرة إلى دعمه للبحث في الروابط التاريخية للنظام الملكي البريطاني مع العبودية.
وأصدر قصر باكنجهام بيان بعد أن اتصلت به صحيفة الجارديان حول التاريخ لمشاركة الملوك البريطانيين المتعاقبين واستثمارهم في استعباد الشعوب الأفريقية.
وكشفت الجارديان عن وثيقة تعود لعام 1689 تظهر نقل ألف جنيه إسترليني من الأسهم في شركة تجارة الرقيق Royal African إلى الملك ويليام الثالث ، من إدوارد كولستون ، نائب رئيس الشركة.
ولم يعلق قصر باكنجهام على الوثيقة لكنه قال إنه يدعم مشروع بحث ، برعاية مشتركة من القصور الملكية التاريخية (HRP) ، والذي يدير عدة قصور ، في مشاركة النظام الملكي في تجارة الرقيق.
وقال متحدث باسم القصر: “هذه مسألة يأخذها جلالة الملك بجدية عميقة. كما قال الملك لحفل استقبال رؤساء حكومات الكومنولث في رواندا العام الماضي: "لا يمكنني وصف عمق حزني الشخصي لمعاناة الكثيرين ، حيث أواصل تعميق فهمي لتأثير العبودية الدائم".
وأضاف المتحدث: "كجزء من هذه الحملة ، تدعم الأسرة المالكة هذا البحث من خلال الوصول إلى المجموعة الملكية والأرشيفات الملكية".
وأشارت الصحيفة الى ان هذه المرة الأولى التي يعلن فيها قصر باكنجهام علنًا أنه يدعم مثل هذا البحث في تاريخ العائلة المالكة.
أصبح كولستون شخصية سيئة السمعة منذ أن تحدى المؤرخون والناشطون في بريستول تصويره كمتبرع في مدينته الأم، وبلغت ذروتها في المتظاهرين السود الذين أطاحوا بتمثاله وألقوا به في ميناء بريستول في عام 2020.
تم العثور على الوثيقة التي تسجل تحويل حصة كولستون إلى ويليام الثالث في الأرشيفات من قبل الدكتور بروك نيومان، وهو مؤرخ في جامعة فيرجينيا كومنولث في رحلة بحثية إلى لندن في يناير.
أعرب الملك تشارلز سابقا عن أسفه علنا للمعاناة التي تسببت بها العبودية، ووصفها بأنها "فظائع مروعة" عند زيارته لحصن العبيد السابق في غانا في نوفمبر 2018. وفي الخطاب الذي ألقاه في يونيو الماضي ، قال تشارلز عن طرق يجب العثور على "الاعتراف بماضينا" ، بما في ذلك العبودية ، التي أسماها "الفترة الأكثر إيلاما".
وقالت الصحيفة ان بيان باكنجهام الأخير يبدو يمثل خطوة أقرب نحو قبول تاريخ العائلة المالكة قديما ، وسوف يسلط الضوء على البحث الذي قال القصر إنه يدعمه وهو مشروع دكتوراه للمؤرخ كاميلا دي كونينج.