هناك أمل فى أن يكون انعقاد الحوار الوطنى فرصة لبناء مزيد من الجسور، وطرح أسئلة صحيحة بحثا عن إجابات أو بناء جسور من التفاهم بين التيارات المختلفة، والحوار بالرغم من أنه سياسى بالأساس فإنه يحمل قدرا كبيرا من الموضوعات الاجتماعية والاقتصادية، وتظل أهم خطوة فى الدعوة للحوار الوطنى أنها تفتح الباب لمناقشات وآراء متنوعة، وهذا فى حد ذاته يمثل نقطة إيجابية، ثم إن بناء الثقة وإقامة جسور بين الدولة والتيارات السياسية والمنظمات الأهلية، هى الأرضية التى يمكن أن تمهد لجمع الشمل والبناء على ما تحقق خلال السنوات الماضية، بناء الثقة يسمح باتساع مجال التفاهم وتحديد نقاط أساسية، وبعد إقامة هذه الجسور يمكن أن تكون هناك مساحات للتفاهم والتحاور، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك خلافات بين التيارات السياسية والحزبية حسب توجهاتها، لكن نجاح الحوار هو قدرة كل هذه التيارات على تقبل بعضها، بحثا عن مطالب تحظى بتوافق، وأن تكون هذه التيارات مستعدة لتقبل الأسئلة، وامتلاك قدر من التواضع يسمح بالنقد الذاتى، وتقبل الاختلاف والتنوع بشكل يتيح نظرة إلى المستقبل.
ويمكن أن يكون الحوار فرصة سانحة، تقدم الكثير من الوعود للقوى السياسية والتيارات الحزبية وغير الحزبية، انطلاقا من دعوة ومبادرة واضحة تشمل كل القوى السياسية بدون استثناء أو استبعاد، تشمل كل من لم يتورط فى إرهاب أو عنف ولم يحرض عليه، وقد أثبتت التجارب على مدى السنوات الأخيرة أن هذه الدعوات والقرارات محلية تصدر من حاجات المجتمع وبناء على مطالب الداخل وضرورات الممارسة الطبيعية، من دون خضوع لأى إملاءات أو تدخلات، وفى نفس الاتجاه فإن هناك تقديرا للقوى السياسية والتيارات والمنظمات الأهلية، مما يجعل الدعوة والرغبة فى الحوار حقيقية وصادقة تهدف لإدارة التنوع فى مرحلة مهمة خاصة بعد إعلان هزيمة الإرهاب الذى كان يمثل تحديا للدولة والمجتمع فى نفس الوقت، وبالتالى فإن انتهاء الإرهاب يعنى إتاحة فرصة أكبر للتنمية والتفاهم حول المستقبل والممارسات السياسية وما يتعلق بالرأى والتعبير والمجال العام.
ومن اللحظة الأولى ودعوة الرئيس للحوار، قدمت الدولة خطوات تؤكد الرغبة فى بناء الثقة خاصة فيما يتعلق بملف المحبوسين، الذين تم الإفراج عن أعداد كبيرة منهم على مدى عام، بجانب اهتمام لجنة العفو بدمج هؤلاء فى المجتمع ومراعاة ظروفهم، وبالتالى فإن أفضل طريق هو الدخول للحوار من دون تصورات أو رؤى مسبقة، وبناء على أجندة سياسية تراعى التنوع والاختلاف فى التفاصيل، مع وجود نقاط أساسية تمثل خيارا عاما تتفق عليه القوى الوطنية، وإن كانت تختلف فى تفاصيل وأولويات التحقيق.
لقد كانت هناك اتجاهات لدعوة تيارات وفئات متعددة من المجتمع، إلى الحوار، تتنوع بين تيارات سياسية وأهلية واجتماعية وخبراء اقتصاد وسياسة، وربما يكون هناك من راهنوا على أن يكون الحوار تكرارا لتجارب سابقة، وهؤلاء بالطبع أو أغلبهم ومن يتعاملون بحسن نية اكتشفوا جدية الدعوة والطريق إلى تحقيقها.
والواقع أن الحوار يأتى فى وقت يشهد فيه العالم تحولات كبرى، على صعيد السياسات الدولية والتحالفات وإدارة الصراعات والمنافسات الاقتصادية، بجانب تغيرات فيما يتعلق بإدارة المناقشات والـتأثير بالرأى العام فى المجتمع من خلال أدوات التواصل الاجتماعى، ومنصات متعددة، كل هذه التحولات تضاعف من قدرات الأطراف على التحاور، وتتطلب قدرا كبيرا من الإدراك والوعى، واستيعاب تجارب 12 عاما من التحولات الكبرى، التى تجعل عالم اليوم يتغير كل يوم بمزيد من التشابكات والتقاطعات، هناك فرصة لنقاش عام يفيد العمل العام، باعتبار الحوار وسيلة، للانتقال إلى غاية أهم وهى إدارة التنوع وتوسيع المجال العام.