بمناسبة الحديث عن الحوار الوطنى والاستعداد لانطلاقه خلال شهر مايو المقبل، يلاحظ البعض أنه منذ انطلاق الدعوة للحوار، تشجع البعض لطرح آراء واقتراحات وتفاعل مع الفكرة، بينما ظل البعض الآخر عند نفس النقطة التى تجمد عندها، ونوع ثالث متردد بين تقديم اقتراحات أو مهاجمة الفكرة، والبحث عن «لايكات» وهى سمة عامة من سمات العالم الافتراضى، وهو عالم مزدحم على صفحات التواصل الاجتماعى.
والواقع أنه فى حال تم التعامل مع الحوار بشكل متجرد من قبل التيارات السياسية، يمكن أن تنعكس نتائج الحوار على العمل السياسى فى المستقبل القريب، مع الأخذ فى الاعتبار أن السياسة لم تعد تدار فقط فى مقرات الأحزاب أو مباشرة، لكنها تؤثر وتتأثر بما يدور فى الإعلام ومواقع التواصل، حيث وجود مجال للكثير من الكلام والقليل من النقاش، وسط زحام البث والنشر.
ومن الصعب أحيانا التمييز بين الحقيقى والافتراضى أو التفرقة بين المعلومات الصحيحة وتلك المغلوطة والشائعات، وبعض سكان العالم الافتراضى حصلوا على وجودهم من وجود جمهور لا يعرفونه لكنهم يعتبرونه رصيدا من المؤيدين، وأحيانا يشعرون بانصراف الجمهور أو بالاستبعاد فيشتبكون بآراء جاهزة لاستعادة مؤيدين أو تابعين وأحيانا يتردد البعض بين طرح آراء للمناقشة وتقديم اقتراحات، وبين البحث عن لايكات وإعجاب، لأن الأفكار الطبيعية والجادة، لا تجلب الكثير من التصفيق أو اللايكات، خاصة لدى هؤلاء الذين يحملون قدرا من الاشتياق، والرغبة فى حيازة إعجاب الجمهور والحصول على مكاسب.
بالطبع كل طرف يتحدث عما يمثل اهتماماته، وانشغالاته، وفرق بين أحزاب، وأفراد ونشطاء، ومواقع التواصل أنتجت ما يمكن تسميته أفرادا يجمعون مؤيدين أو مختلفين افتراضيين، ولا يمكن القول إن المجتمع ممثل بكل فئاته وطوائفه ومصالحه فى الأحزاب القائمة حتى لو تجاوز عددها 100 حزب ولا فى العالم الافتراضى، مع الأخذ فى الاعتبار أن العقد الماضى أنتج تيارات وتجمعات شبابية أو مهنية أصبحت تطرح نفسها فى المجال العام وتعبر عن نفسها، ولديها آراء، وهذه التجمعات تختلف عن الأحزاب التقليدية، وتسعى لاحتلال مكانها، ومنهم أفراد لا ينتمون إلى تيارات سياسية، وأيضا بعض من شاركوا فى ائتلافات أو حركات، من دون أن يمارسوا العمل خارج منصات التواصل.
وفى بعض الأحيان تغيب الحدود الدنيا التى يمكن الاتفاق حولها انطلاقا من واقع يحكم الجميع، وبعض المناقشات تصل لصدام، قبل أن تبدأ، وهو ما يجعل الحوار ليس بين الدولة والأحزاب فقط، لكنه حوار حول الأحزاب والتيارات السياسية ودورها وعلاقتها بالجمهور والمجتمع ودورها فى التفاعل مع ما يجرى بالعالم وقدرتها على تقديم رؤيتها الواضحة تجاه الأحداث العالمية والإقليمية. وما يجرى من حرب وانعكاساتها على الاقتصاد وقرارات رفع وخفض الفائدة والتضخم، على الاقتصاد.
ربما يكون السؤال هل استعدت التيارات السياسية وبلورت أفكارا وعناصر للحوار؟ وهل الحوار غاية فى حد ذاته؟، أم وسيلة لفهم أكبر وتفاهم أوسع حول قضايا السياسة الاقتصاد وحاجات الحاضر والمستقبل، والملفات الأخرى المتعلقة بالحاضر والمستقبل؟.
وإذا كانت هناك خطوات تشير إلى وجود استجابة من الدولة للحوار، وبناء أرضية يمكن البناء عليها للنقاش حول المستقبل والعمل السياسى وطبيعته، وكيفية توسيع المجال العام وفتح آفاق التفاهم للمستقبل، وعلى الأطراف الأخرى أن تبلور رؤيتها، وتركز على الأساسيات التى يمكن البناء عليها، وربما تكون التيارات المشاركة فى الحوار بحاجة إلى مواثيق شرف تحكم أسلوب تعاملها مع القضايا والتحديات وأن تطرح آراء ومشاركة، بعيدا عن الهتاف والاستقطاب، والهدف هو البناء على ما تحقق من أجل المستقبل.