خلال أمس الأول السبت، وبينما المصريون المسلمون يصلون التهجد بعد التراويح، ويتجهون بالدعاء لله الرحمن، كان المصريون الأقباط يصلون صلاة عيد القيامة، ويدعون لله فى السماء، كان الجميع يصفون النوايا، ويوجهون دعاءهم بالستر والرزق والبركة، وهو تزامن يتكرر على مدى سنوات كنوع من التأكيد بأن الكل يدعو الله ويتجه للسماء، وأن الله يرى كل عباده وينظر إليهم ويمد إليهم الرحمة والرزق.
يحب المصريون أن يتفاءلوا بالخير، ويرون فى تزامن أعياد الفطر والقيامة وشم النسيم ورمضان نوعًا من البشارة، حيث الجمعة اليتيمة فى رمضان، هى الجمعة العظيمة عند الأقباط، وبينما يستعد المسلم للإفطار بعد أيام، يفطر المسيحيون بعد الصوم الأربعينى، وفى كل الأحوال هناك شراكة وتفاعل واحتفال، الأسواق تزدحم بالناس، لشراء ملابس العيد التى تمثل فرحًا وذكرى، والواقع لأن السنوات الأخيرة فى ظل كورونا، شهدت تخوفًا وترددًا، لكن بعد كورونا عادت الأسواق كما كانت، هناك تزاحم قبل رمضان وقبل الأعياد، وهو تزاحم طبيعى، هو نفسه يمثل نوعًا من البهجة، وطبيعى أن يتوزع الناس كل حسب احتياجاته وإمكاناته، لكن الأهم هو كيفية صناعة البهجة فى الأسر والأطفال، ربما كانت الأجيال الأسبق أكثر إدراكًا لهذه المعانى، فلم تكن الخيارات واسعة مثلما هى الآن، وكانت الملابس متواضعة ومحددة، ومع هذا فقد كانت تصنع بهجة لدى الأطفال، كانت الملابس موسمية، والأطعمة محددة، والفرق فى البهجة وصناعتها.
كل مصرى يحمل معه تراثًا من الذكريات عن احتفالات ومهرجانات البهجة فى الموالد والتجمعات، فى الأعياد يحتفلون معًا وهم مقتنعون أن الله أنزل الأديان من أجل إسعاد البشر، وترقية وحشيتهم، وجعلهم أكثر إنسانية، يحتفلون بشم النسيم وحد الزعف ومولد النبى، يصلون على محمد والمسيح، ويحمدون الله على نعمه حتى لو كانت هناك صعوبات فإنهم يدعون الله أن يسهلها، وييسرها، لا يسألون عن دين النيل والنخل والقمح والفول والورد، ويعرفون أنها مخلوقات الله، لكن قبل سنوات وربما حتى الآن كانت هناك بؤر ومساع لفصائل التكدير العام، الذين كانوا يحبون النكد، ويكرهون البهجة، ويرفضون الألفة والتآلف، والإيمان الطبيعى، الذى يميل للمحبة، ويرفض الكراهية والعدوان.
عقود وقرون كان المصريون يحتفلون بشم النسيم، أو يرتدون تاجا أو خاتما من سعف النخيل، ويجمعون الورد والزهور، يلونون البيض، قبل أن يظهر فصيل التكدير، ليطرح تساؤلات واعتراضات لا أساس لها ولا أصل فى الدين أو العقل عن الاحتفال بشم النسيم أو الفرح بسعف النخيل.
أجيال مختلفة من المصريين رأت السيدات يكتحلن فى سبت النور، وفى اليوم التالى يمسك الجميع بسعف النخيل فى حد السعف، أو «حد الخوص» يلبسونه خواتم وغوايش وأشكالا وألوانا من قلب النخيل الأخضر الخفيف الطرى، سنوات وعقود ينخرط المصريون فى احتفال الأعياد، المهم أن يحصلوا على البهجة، يخرج الجميع فى شم النسيم ليأكلوا ويفرحوا مع النيل وحوله، وللمفارقة كانوا أكثر تسامحًا وإيمانًا، لأنهم يتجهون للسماء ويدعون الله، وهو وحده الكريم.
