فجر التقرير الصادر من الجهاز المركزى للمحاسبات حول خسائر الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، والذى أوضح أن جملة الأرصدة المدينة المستحقة لشركات القطاع لدى الغير بلغت نحو 455.1 مليون جنيه، منها 284.6 مليون لدى القطاع الخاص، غضب أعضاء مجلس النواب، ما دفعهم لعقد جلسة فى شهر مايو الماضى لمناقشة أزمة محصول القطن فى مصر.
خلال الجلسة برر الدكتور أحمد مصطفى رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج خسائر القطاع بسبب التناقص المستمر فى محصول القطن والذى وصل إنتاجه، حسب قوله، إلى 1.2 مليون قنطار يتنافس عليه 50 محلجاً.
أعقب تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات تقريراً أخر للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، أكد خلاله أن إجمالى كمية صادرات القطن المصرى بلغت 112.7 ألف قنطـار مـترى خلال الفـترة "ديسمبر 2015/ فبراير 2016"، مقابل 246 ألف قنطار مترى لنفس الفترة من الموسم السابق بنسبة انخفاض 54.2%، وذلك بسبب انخفاض المحصول من القطن، وأن إجمـالى كـميـة المسـتهلك مـــن الأقطــان المحـليـة بلغت 76.4 ألــف قنطـار متـرى خــلال الـفـتـرة (ديسمبر2015 / فبراير2016) مقــــابل 175.8 ألـف قنطـار متـرى لنفس الفترة من الموســـم الســابق بنسبة انخفاض قدرها 56.6 %، ويرجع هذا الانخفاض إلى توقف بعض مصانع الغزل والنسيج عن الإنتاج، وأن كمــية الأقطــان التى تم حلجها 0.9 مليون قنطار مترى خلال الفـترة (ديسـمبر2015/ فبراير 2016) مقابـل 1.3 مليون قنطار مترى لنفس الفترة من الموسم السابق بنسبة انخفاض قـدرها 29.5%، فى حين بلغت كمـيـة الأقطــان التـى تـم كـسبها 0.54 مليــون قنطــار مــترى خـــلال الفـــترة (ديسـمبر2015/ فبـراير 2016) مقـابـل 1.00 مليـون قنطـار مترى لنفـــس الفترة من الموسـم السـابق بنسبة انخفاض قـدرها 46.3 %.
واختتمت وزارة الزراعة مأساة الذهب الأبيض بتقرير صادم يؤكد أن المساحة المنزرعة بالقطن هذا العام بلغت 131 ألف فدان بمختلف المحافظات التى تزرع المحصول بنسبة انخفاض عن العام الماضى تقترب من 47 %، حيث أن إجمالى ما تم زارعته العام الماضى يبلغ 247 ألف فدان، وذلك مع انتهاء الزراعة فى مختلف المحافظات التى تزرع المحصول.
بالطبع أكدت وزارة الزراعة أن المهندس شريف إسماعيل كلف الدكتور عصام فايد وزير الزراعة واستصلاح الأراضى بعقد اجتماعات مكثفة مع المعنيين بزراعة القطن وبحوث القطن، لوضع خطة لإعادة القطن المصرى إلى عرشه، وهو الأمر الذى يتبعه كل رؤساء الحكومة منذ عهد الدكتور كمال الجنزورى مروراً بالدكتور عاطف عبيد والدكتور أحمد نظيف وحكومات ما بعد ثورة يناير 2011 وحكومات ما بعد ثورة 30 يونيو، إلا أن النتيجة واحدة وهى استمرار نزيف الأراضى التى تزرع القطن بشكل يدعو للدهشة والاستغراب دون أن يدرك أحد الأهمية السياسة والاجتماعية والاقتصادية للقطن المصرى طويل التيلة أكثر الأقطان جودة فى العالم.
فتقول التقارير غير الرسمية، أن مساحة الأراضى التى كانت تزرع بالقطن فى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضى حوالى 2 مليون فدان، وصلت فى عام 1981 إلى مليون وربع المليون فدان، ولكن التقارير الرسمية تؤكد أن المساحة المنزرعة بالقطن فى موسم 1990\1989 وصلت إلى مليون فدان، وفى موسم 2000\2001 وصلت إلى 655 ألف فدان، وفى موسم 2003\2004 وصلت إلى 550 ألف فدان، وفى موسم 2009\2010 وصلت إلى 280 ألف فدان، حتى وصلت فى 2016 إلى 131 ألف فدان، مع كل تقرير يصدر يؤكد تناقص المساحة المنزرعة بالقطن تجتمع الحكومة لمناقشة الأزمة دون أى نتيجة.
زراعة القطن بدأت تتراجع فى مصر مع سياسة الانفتاح وبيع مصانع الغزل والنسيج والمحالج واستيراد الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة والاعتماد عليها فى الصناعة المحلية، ما أدى إلى انخفاض الاستهلاك المحلى بنسبة كبيرة جداً، ورفع الدعم الحكومى عن المزارعين، بالإضافة للسياسة المتخبطة للحكومات المتتالية، فتارة تأتى حكومة تعتمد دعماً للفلاحين وتمنع الاستيراد وأخرى ترفع الدعم وتفتح الباب أمام الاستيراد، كما أن هناك مشاكل التمويل والأسعار العالمية وانخفاض الطلب العالمى، وعدم قدرة شركات التسويق على الترويج لنشاطها وعدم انتظام واستقرار شروط التعاقدات المصرية وارتفاع أسعار القطن المصرى محلياً بالمقارنة بأسعار البورصة الدولية، ما دفع المزارعين إلى العزوف عن زراعة القطن.
الاستغناء عن زراعة القطن يمثل خسارة اقتصادية كبيرة، فمصر تعتمد عليه فى صناعات الغزل والنسيج والزيوت والصابون والبويات والورق، ومن الممكن أن يكون مصدراً يساعد على توفير العملة الأجنبية، خاصةً أن القطن المصرى طويل التيلة له شهرة عالمية من حيث الجودة، ورغم ضعف الطلب العالمى عليه فى الوقت الحالى إلا أنه يدخل فى صناعات هامة مثل سيور النقل والمظلات والمصنوعات التى تحتاج تحمل شديد والملابس الفاخرة.
القطن له أهمية اجتماعية وسياسية أيضاً، فكان الفلاحون ينتظرون حصاد محصوله لتسوية مديونياتهم والوفاء بالتزاماتهم ما كان يشعرهم بنوع من الاستقرار، ما ينعكس بالتالى على درجة رضاهم عن الحكومة التى تتولى شئون البلاد فى هذا الوقت.
الحل فى عودة القطن المصرى إلى سابق عهده لا يعتمد فقط على الدعم الذى من الممكن أن تقدمه الحكومة للفلاح فقط أو وقف الاستيراد فقط، بل لابد أن تعود الحكومة لتسويق المحصول مجدداً ولكن بشكل متطور ولا تترك الفلاح فريسة لجشع التجار، كما أنها لابد أن تجد الحلول لمشاكل هامة منها انخفاض الطلب الدولى على القطن طويل التيلة، وانخفاض انتاجية الفدان التى تصل إلى من 7 لـ 9 قناطير، فى حين أن انتاجية الفدان من القطن الأمريكى تصل إلى من 17 لـ 19 قنطاراً.
وزراء الزراعة المتعاقبين توقفوا عن مواكبة التقدم العلمى فى زراعة القطن، وألغوا المبالغ والأراضى المخصصة لتطوير أصناف القطن، فمنذ إنشاء الجمعية الزراعية المصرية فى عام 1898، وإنشاء وزارة الزراعة فى عام 1913، وإنشاء مجلس مباحث القطن فى عام 1919، وإنشاء لجنة الأبحاث الفنية فى عام 1928، وإنشاء هيئة مراقبة بحوث تكنولوجيا القطن عام 1963، وقد تركزت جهود العاملين بها فى تحسين أصناف بذور القطن المصرى، فأنتجوا لنا أصناف مثل السكلاريدس وميت عفيفى واليانوفتشى والعباسى والنوبارى والبليون والنهضة والفؤادى والكازولى والمنوفى والجيزة 7 و45 و68 و70 و77 و80 و83 و85 و86 و88 و89 و90، وحالياً نحتاج إلى البحث العلمى بشدة لتخليق بذور تنتج لنا أصناف تعيد الطلب العالمى على القطن طويل التيلة وتزيد من انتاجية الفدان وتقلل من تكلفة زراعته.
منذ أن استدعى محمد على مؤسس مصر الحديثة المهندس الفرنسى لويس جوميل ليشرف على تنظيم زراعة القطن، ويحتل الذهب الأبيض مكانة خاصة لدى الفلاح المصرى، والمحاولات الخجولة التى بذلت فى أعقاب ثورة يناير بصدور قرار وزير الزراعة الدكتور أحمد الجيزاوى رقم 640 لسنة بإعادة تشكيل مجلس أعلى للقطن، أو فى أعقاب ثورة يونيو بصدور قرار المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء رقم 2126 لسنة 2015 لا تكفى، بل لابد من تضافر كل الجهود الممكنة للدولة وأفضل العقول المصرية حتى يستعيد الذهب الأبيض المصرى عرشه العالمى، وحتى لا تتحقق مقولة الراحل الدكتور أحمد جويلى وزير التموين الأسبق "لو سبنا الوضع كدة سنرى القطن فى المتحف الزراعى المصرى فقط".