علي الكشوطي يكتب: كيف تلبست منى زكى روح "حنان" وصنعت تفاصيلها الخاصة بحساسية شديدة في "تحت الوصاية".. محمد شاكر خضير مخرج يعمل في هدوء ودأب ليصنع عالما من البراح الغني بالجماليات جعلت من الأطفال ممثلي

الجحيم بذاته، هو أن تعيش تحت رحمة أحدهم، لا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن لامرأة كاملة النضج لديها ما يكفيها من الأهلية لتتزوج وتنجب ثم يرحل زوجها، فتعامل على أنها فاقدة للأهلية ولا ترقى لإدارة شئون أولادها وبالتالي يجب وضع واصي يحمي حقوق أولادها منها ومن غيرها، لتوضع هي الأم التي سهرت وربت في دائرة الشك والحذر كونها ربما تكون مصدر خطر أو هدر لحقوقهم، وهو ما يزيد الطين بلة، فتقهر مرتين مرة على زوجها وأخرى على أولادها. طوق حول الرقاب، ذلك ما يسمى بالوصاية، الخطوات البسيطة التي تستطيع أي أم أن تخطوها مع أولادها، مع الوصاية ربما تحتاج أياما وربما تقف طوابير وتضطر لتحضر فواتير إثبات، وكأنها طوال الوقت متهمة ويجب عليها أن تحضر أوراق براءتها في كل مرة تحتاج للتصرف في أبسط نفقات أولادها. ملف غاية في الأهمية، الوصاية، محل نقاش مني زكي في مسلسل تحت الوصاية، استدعت تلك الموهوبة العبقرية شخصية حنان فتجلت عليها وعانقت روحها، وتلبستها لدرجة تجعلك تقف أمام مشاهد مسلسل تحت الوصاية منبهرا بهذا الكم من الصدق والإخلاص. مني زكي وصلت لمرحلة من النضج الفني منحتها قدرة هائلة على تجسيد شخصية حنان بكل هذا الاتقان، المتابع الجيد لحنان في المسلسل سيقف أمام مشية حنان، حنان المنكسرة، الضعيفة، القوية، الواثقة ، المترددة، قليلة الحيلة.. كل حالة من تلك الحالات قدمتها منى زكي بطريقة "مشي" مختلفة. لا أعرف كيف استطاعت مني زكي أن تتلون في المشهد الواحد بأكثر من طريقة، أذكر مشهد حلقة أمس، بعدما تلقت خبر وفاة حماها، في لحظة واحدة عبث وجه حنان ودمعت عيناها، ثم في 30 ثانية أو أقل، تحول هذا الوجه العابث إلى فرح وعيون تدمع من السعادة بسقوط الوصاية من على أكتفاها برحيل الجد الواصي. صنايعية الشغلانة، تغلب "صنعة" التمثيل على كثير من نجمات الوسط الفني، فتطغى "الصنعة" وحرفية التشخيص لشخصية درامية على روح الشخصية نفسها ومشاعرها والتي هي أهم بكثير من التحكم في "صنعة" الأداء، حيث استطاعت منى زكي أن توازن بين كونها من صنايعية شغلانة التمثيل وبين حرفيتها في ألا تتعالى بقدرتها على التجسيد على الجمهور، كنوع من التباهي وإثبات جملة "أنا بعرف أمثل أهو"..اتخذت منى زكي من مشاعر حنان وتفاصيلها روحا تلبستها، بالتالي خرج الدور بكل هذه البساطة والصدق. لم يكن لمسلسل تحت الوصاية كل هذا النجاح، إلا بتضافر الكثير والكثير من العوامل التي جعلت منه تحفة مكتملة الأركان عمل درامي سيعيش طويلا، وربما إلى الأبد، فالمخرج محمد شاكر خضير، واحد من أبرز المخرجين على الساحة الفنية، يعمل في هدوء ودأب، يحسد عليه، يركز في التفاصيل لدرجة جعلت العمل سيكون مرجعا للمسلسلات الأخرى ممن يريدون تقديم صورة حقيقية للواقع بجماليات تخطف العين، فالبراح الذي منحه المخرج للعمل جعل للمسلسل روحا مختلفة خارج نطاق دراما المنازل المغلقة والكومباوندات ليصنع عالمه الخاص. حول مني زكي وصدق مشاعرها في المسلسل كوكبة من الممثلين "التقال".. رشدي الشامي في دور عم ربيع واحد من مكاسب المسلسل وهدية المخرج للجمهور في موسم رمضان، دياب ودور صالح من أمتع الأدوار التي قدمها دياب من لحم ودم، فريق البحرية أحمد عبد الحميد "شنهابي" وعلي صبحي "عيد" و خالد كمال "الريس حمدي"، صدق مشاعرهم وتقديمهم للأدوار بحرفية جعل الجمهور يشعر بأنهم طقم بحرية حقيقي، نهى عابدين ولبنى ونس.. جميع المشاركين يستحقون التحية. سيناريو العمل لشيرين وخالد دياب ، واحد من أهم أبطال المسلسل وعناصر النجاح في المسلسل فهو منح الممثلين مساحة كبيرة للتعبير عن مشاعرهم وتعبيرات وجوههم دون الحاجة إلى ديالوج طويل لشرح المشهد، فالاعتماد الأكبر كان على الحوار بدون كلام، لغة عيون وتنهيد ومشاعر دافئة. ليال وطفة مؤلفة موسيقى مسلسل "تحت الوصاية" فنانة من طراز خاص أكملت تلك اللوحة الفنية باقتدار وبموسيقى تخطف القلوب وتضيف لدراما المسلسل. لا يستطيع أحد أن يقول شيئا أمام قدرة المخرج محمد شاكر خضير في إدارة الطفل عمر شريف والتوأم فرح وفريدة، في المسلسل، فرغم صغر سن عمر شريف والذي يقدم دور ياسين ابن منى زكي، إلا أن شاكر أدار موهبته بحرفية شديدة، حتى الطفلة فرح وشقيقتها فريدة اللتين قدمتا دور "فرح" ابنة منى زكي في المسلسل رغم صغر سنهما، إلا أن شاكر استطاع أن يقدمهما وكأنهما ممثلات كبار، فمشاهد الانسجام بين ياسين وفرح خاصة تلك المشاهد التي كان يقوم فيها باعداد الطعام لها أو محاولة جعلها تنام جاءت حقيقية وكأن الطفلة فرح تستوعب ماذا تفعل وهو ما يعكس قدرة شاكر على إدارة المشاركين.