كان محمد فايق واحدا من خمسة وزراء، قرر الرئيس جمال عبدالناصر، اختيارهم فى 26 إبريل، مثل هذا اليوم، 1970، وهم محمد حسنين هيكل وزيرا للإرشاد القومى، وثلاثة وزراء للدولة هم حسن التهامى، وسعد زايد، وسامى شرف، وفقًا لما تذكره الأهرام يوم 27 إبريل 1970.
كان الأربعة وزراء جدد، أما «فايق» فكان وزيرًا للإرشاد القومى منذ 10 سبتمبر 1966، يسبقه دوره المهم فى أفريقيا والذى جعله واحدًا من أربع شخصيات شكلت القوة الضاربة لمصر فى أفريقيا، أولها هو وكان «الذراع اليمنى لعبدالناصر فى أفريقيا الذى قاد باقتدار الجهد المصرى لدعم حركات التحرر الأفريقية سياسيا وعسكريا وإعلاميا فى إطار الرؤية الاستراتيجية الثاقبة لعبدالناصر»، أما الثلاثة الآخرين فهم حلمى شعراوى، والدكتور عبدالملك خليل، وأخيرًا الدكتور بطرس غالى، حسبما يذكر الدكتور أحمد يوسف أحمد فى مقاله «حلمى شعراوى فى ذاكرة مصر وأفريقيا»، الأهرام، 13 إبريل 2013.
كان فايق يبلغ 41 عاما حين اختاره عبدالناصر وزيرا للدولة للشؤون الخارجية، حيث ولد بمحافظة الدقهلية عام 1929، وتخرج فى الكلية الحربية عام 1948، وعمل بإحدى قواعد المدفعية المضادة للطيران بحلوان سنة 1952، وخلالها حصل على فرق التدريب بمدارس الشؤون الإدارية العسكرية التى حاضره فيها ودربه عليها البكباشى جمال عبدالناصر الذى قربه منه عندما لفت نظره فى مشروعات التدريب، نتيجة كفاءته وانضباطه وحسن خلقه وتفانيه فى العمل، حسبما يذكر الدكتور السيد فليفل عميد معهد الدراسات الأفريقية الأسبق فى دراسته «محمد فايق» «مكتبة أكاديميا العربية».
يكشف «فليفل» كيف بدأت علاقة فايق بأفريقيا، قائلا: «فى عام 1953 استدعى عبدالناصر إلى مكتبه الرائد محمد فايق من الضباط الأحرار الذين فجروا ثورة 23 يوليو 1952، وفوجئ بجمال عبدالناصر يخطره باختياره مديرًا لمكتبه للشؤون الأفريقية، فتعجب فايق حيث لم يكن حتى هذا الوقت قد مارس أى دور أو نال أية خبرة معمقة فى الشؤون الأفريقية، وبعد مناقشة قصيرة تلقى الرائد الشاب تعليمات لدراسة حالة القارة الأفريقية على نحو تفصيلى، ومتابعة التطورات لحركات التحرر الأفريقية بكل رموزها فى كل المستعمرات الأفريقية والاتصال بهم».
يؤكد «فليفل»، «كان محمد فايق يملك المقومات الشخصية للعمل المنشود، فعلى الصعيد الشخصى لديه نفس هادئة راضية مقتدرة صبورة، ولديه ملكة عقلية قادرة على الإدارة والتنظيم والتخطيط والأهم قادرة على الكتمان وإدارة أعقد العمليات الاتصالية باقتدار، وإن هى إلا أشهر قليلة حتى توفرت لديه المعلومات الأساسية عن الشعوب الأفريقية وقوى الاستعمار التى تتحكم فيها، وعن القيادات الأفريقية المتطلعة للحرية، كما توفرت رابطة إنسانية بينه وبين قادة التحرر الوطنى الأفريقى، وهى رابطة استمرت بعد أن صار الثوار الأفارقة رؤساء، كما استمرت نظرتهم الحانية إلى مصر عبدالناصر باعتبارها موطن التحرر الوطنى فى القارة الأفريقية».
يكشف «فايق» مدى معاناته فى اكتساب معرفته بأفريقيا بعد تكليف عبدالناصر له، قائلا فى كتابه «عبدالناصر والثورة الأفريقية»: «كان الوضع فى أفريقيا مختلفًا كثيرًا عن الوضع فى الوطن العربى، فمجرد الاتصال بالحركات الوطنية فى أفريقيا كان فى البداية أمرًا بالغ الصعوبة، كما أن المعلومات المتوفرة عن هذه الحركات كانت قليلة جدًا، وقبضة الاستعمار القوية تقيم الحواجز بيننا وبين شعوب هذه المنطقة حتى أنه كان لم يكن يسمح بسهولة بإضافة القاهرة على جوازات السفر الأفريقية، كما كان أى مصرى يجد صعوبة كبيرة فى مجرد دخول هذه المستعمرات، ولذلك كان لا بد لنا من التحايل لدخول هذه الأقاليم لاستكمال الدراسات الميدانية والاتصال بالحركات الوطنية التى لم تكن بدورها تعلم الكثير عما يدور فى مصر».
يضيف «فايق»: «كنا نتصيد الزعماء المسلمين من أفريقيا عندما يذهبون للحج والقادة السياسيين عندما يذهبون إلى عواصم الدول الاستعمارية نفسها، كما استفدنا بمعلومات الآلاف من الدارسين الأفارقة فى الأزهر الذين ساعدونا كثيرًا فى الاتصال بالزعماء الوطنيين فى بلادهم، وسرعان ما تبدل الحال بعد أن توطدت علاقتنا بالعديد من الحركات الوطنية الأفريقية وذاع صيت القاهرة كقاعدة للتحرير، خاصة بعد حرب السويس، وأصبح الأفارقة هم الذين يتحايلون للوصول إلى القاهرة والاتصال بها، رغم تشدد سلطات الاستعمار ومحاولتها وقف هذه الاتصالات أوتقييدها».
اجتاز «فايق» هذه الصعوبات، وبتعبير «فليفل»: «بدأ الترابط بين القائد «عبدالناصر» ومعاونه الأول والأخير للشؤون الأفريقية، إذ التحم الرجلان فى الرسالة الأفريقية وفى الدور التحررى، فلا يذكر أفريقيا إلا ويذكر الرجلان معا «ناصر وفايق»، وكان من المنطقى أن يتم تصعيد محمد فايق إلى مواقع جديدة، كان أبرزها توليه مسؤولية وزارة الإعلام من 1966 إلى 1970، ثم توليه وزير الدولة للشؤون الخارجية، لكنه مع هذا لم يترك مسؤوليته عن الشؤون الأفريقية، بل استمر يتابعها ويشرف عليها، وخلال هذه المرحلة رافق عبدالناصر فى كل القمم الأفريقية، أو ناب عنه فيها».