أصدرت دار الإفتاء المصرية كتاب "دليل الأسرة من أجل حياة مستقرة" بالتعاون معوزارة العدل، وغطَّى كافَّة الموضوعات التى تهمُّ الأسرة المصرية.
وتعتزم دارالإفتاءتوزيع الدليل على المأذونين الشرعيين على مستوى الجمهورية لإهدائه إلى الأزواج عند عَقْدِ القران، كما تعتزم تحويل محتوى الدليل إلى برامج تدريبية وتأهيلية للمُقبلين على الزواج، بالإضافة إلى إطلاقها حملات إعلامية لنشر أهداف الدليل، فضلًا عن نشر محتوى الكتاب على هيئة "بوستات" عبر منشورات على منصَّات التواصل الاجتماعي.
وفى صدر الكتاب قدمت نصائح وإرشادات فى العلاقة بين الزوجين، حيث راعـت الشريـعة الإسلاميـة، نظام العلاقة بين الرجل والمرأة وفــق الاستـعداد الفطـرى والتكويـن الجسـدى لكل منـهما، وذلـك لإعمـار الأرض وتحقيـق معنى السكن والمودة والرحمة، مـع غرس روح التـعاون والمشـاركة لصالح الطرفيـن ولصالح المجتـمع كله، فتتسق بذلك دواعى الطبع مع دواعى الشرع، وذلك على النحو الآتى:
1. على الزوجين الاهتمام بكتابة الديون حذرًا من نسيانها وحفظًا للحقوق من الضياع أو النسيان.
قال الله تعالى: ﴿إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَٱكۡتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282]. وذلك حفظًا له، وضبطًا لمقداره، ومنعًا للتنازع أن يقع بينكم أو مع غيركم، ولا شك أن هذا من الحرص على استقرار الأسرة وسلامتها. ولا بد من وضع خطة محكمة لسداد هذه الديون، واحذرا من الربا فى الديون، فلا تقترضا ممن يرابى فى أمواله من الناس، ولكن لا بأس بالتعاملات البنكية، فقد استقرت الفتوى فى دار الإفتاء على جوازها، ولكن ابتعدا عن القروض الشخصية التى تكون للترفيه والإسراف، فإنها باب الدمار والضياع.
2. عليكما الاهتمام بضرورة إجراء الفحوص الطبية الدورية فى حدود دخل الأسرة.
من أهم مطالب الأسرة متابعة الحالة الصحية لأفرادها، وذلك بعمل الفحوص الطبية الدورية، لأنها سبب فى اكتشاف الأمراض ومعالجتها مبكرًا، قبل تفاقمها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بالحرام». ولا شك أن هذا حق على الرجل، ولكن ينبغى التوسط فيه والاعتدال حتى لا يرهق ميزانية الأسرة.
3. لا يطلب الزوج من زوجته الإنفاق على البيت، بل على كل واحد منهما القيام بمسؤوليته.
على الزوج أن يعتمد على نفسه فى القيام بأعباء أسرته المعيشية كلها، فلا ينبغى له أن يضع أموال زوجته فى خطة إنفاقه، سواء كانت معها وقت زواجها أو حصلت عليها بعد الزواج من عمل أو إرث أو هدايا، إلا إذا شاركت هى عن طيب نفس منها ورضا فى تحمل بعض الأعباء وتخفيفها عن كاهل زوجها. وإذا كان الزوج فقيرًا لا دخل له أو كان عليه دين لا يستطيع سداده فيجوز للزوجة أن تعطيه من زكاة مالها كما قال بعض الفقهاء، ويجوز كذلك للزوجة أن تخرج زكاة أموالها لأبنائها إذا كان الأب لا يقدر على نفقتهم، وذلك فى إطار المودة والرحمة، وإذا وصلا إلى هذه المعادلة المهمة فحينها ستنعم الأسرة بالاستقرار.
فيجب أن يقوم الزوج بمسؤوليته فى الإنفاق، ويوفر لزوجته الوقت الكافى لمتابعة أعمال البيت وشؤون الأولاد. وبناءً عليه فلا يؤجلنّ الزوج حقوق زوجته المالية إذا كانت شريكة له فى العمل بالمال أو بالمجهود، بل عليه أن يكون كريمًا معها.
4. يلزم الزوج بالنفقة على زوجته باستقرارها معه وانتقالها من بيت أبيها.
يجب على الزوج أن ينفق على زوجته من ماله لإطعامها وكسوتها وكل ما يتعلق بضروريات الحياة وحاجياتها، وذلك لتفرغها لحياتها الزوجية معه، ولو مكثت بعد ذلك فى غير بيت الزوجية لعذر ما فهو ملزم بالإنفاق عليها.
5. للزوجة نفقة واجبة على زوجها، ولا يجوز له التقصير فيها ما دام مستطيعًا.
إذا قصَّرَ الرجل فى حق من الحقوق الواجبة لزوجته عليه كحق النفقة مثلًا، فلا شك أنه يلام، ويؤمر بالسعى على أداء هذا الحق على الوجه الأكمل، وللزوجة حينئذ أن تعينه وأن تصبر على ذلك، فإن شَكَتْه لأحد أهله فحقها. فإن سيد الخلق صلى الله عليه وسلم قضى لصاحب الحق على نفسه، فقد كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له، فهَمَّ به أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «دعوه فإن لصاحب الحق مقالًا»، وقد أقر النبى صلى الله عليه وسلم من جاءته تشكو إليه تقصير زوجها، ولكن لا شك أن الصبر معه وإعانته أولى.
6. عليكَ بالوفاء بشروط زوجتك التى اشترطتها عند عقد الزواج ما لم تتعارض مع الشرع الشريف.
كل شرط لا يتَعارض مع المقصود من عقد الزواج، كاشتراط المرأة ألا يُخرجها زوجها من دارها، أو ألّا يُسافر بها، أو أن تعمل مع عدم الإضرار بحقه، يجب الوفاء به؛ لقوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِ﴾ [المائدة: 5]، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أن تُوفُوا به ما اسْتَحْلَلْتُمْ به الفُرُوجَ».
7. إذا استدان الزوج لعلاج زوجته فهذه الديون تتعلق بذمته هو، لا ذمة زوجته.
علاج الزوجة واجب على الزوج، ويجوز لها أن تتبرع بذلك وتسد عنه أن قدرت، ويكون لها أجر الصلة وأجر الصدقة، فقد كانت زينب امرأة سيدنا عبد الله بن مسعود تنفق عليه وعلى أيتام فى حجرها، فسألت النبى صلى الله عليه وسلم: أيجزى عنى أن أنفق على زوجى وأيتام لى فى حجري؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «نعم، ولها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة». وعلى الزوجين اجتناب الاقتراض قدر الإمكان، وإذا وجد دين فلا بد من وضع خطة لسداده، فالقرض عمومًا ليس إلا حلًّا مؤقتًا لمشكلة واقعة، وهو يزيد منها مع الوقت، ويزيد من الأزمات الاقتصادية ويورث الهموم والمشكلات النفسية والزوجية، وقد قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدَّيْن فإنه همٌّ بالليل ومذلَّة بالنهار».
8. سبب دوام النعمة دوام شكرها وعدم تحقيرها.
لا تظنوا أن الرزق هو المال فحسب، فالصحة والعقل والعلم والولد الصالح والزوجة الصالحة والزوج الصالح والنسب الطيب وراحة البال؛ كل هذا من الرزق للإنسان فى الحياة، وشكره باستعمالها فى طاعة الله تعالى من أسباب دوام هذه النعم وزيادتها، يقول الله: ﴿لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡ﴾ [إبراهيم: 7]. ولا تحقروا نعمةً، فعن عائشة، قالت: دخل النبى صلى الله عليه وسلم البيت فرأى كسرة ملقاة، فأخذها فمسحها ثم أكلها، وقال: «يا عائشة، أكرمى كريمك، فإنها ما نفرت عن قوم قط فعادت إليهم».
9. انظرا دائمًا إلى مَنْ دخله أقل منكما، ولا تنظرا إلى مَنْ دخله أعلى منكما حتى تشعرا بنعمة الله عليكما.
هناك كثير من الناس لا يعيشون إلا بالقليل، ولكنهم يقنعون بما آتاهم الله تعالى، فافهم ذلك، وعلِّم أهلك أن لا يتطلعوا إلى أحدٍ ممن وسَّع الله عليهم، وعليكما بالرضا بما قسمه الله، فإن الإنسان إذا نظر فى الدنيا إلى من هو أقل منه، ظهرت له نعمة الله عليه فشكرها وتواضع وفعل ما فيه الخير، وزاده الله تعالى من فضله ووسَّع عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا (تحتقروا) نعمة الله عليكم».
10. عوِّدا أولادكما أن يعيشوا فى إطار دخل الأسرة وإمكانياتها.
ينبغى تعويد النفس والأولاد على الرضا برزق الله وقسمته، ولا ينظرون لعيشة فلان أو فلانة، لأن هذا كله رزق بتقدير الله، فعلينا الرضا والتسليم من ناحية، والسعى والأخذ بالأسباب لتحسين الدخل من ناحية أخرى.