ليلة حزينة لا ينساها كل أبناء قرية " البشندى " فى الواحات، ممن شهدوا عام 1979م والتى بكت فيها أسرة بسيطة من أهل الواحات الطيبين حيث فجعت الزوجة بوفاة عائلها ولم يكن لديها ثمن الكفن الذى يوارى جثمان رفيق رحلتها فبكت وتألمت ولم تجد حيلة من أمرها سوى أن تخبر ذويها بفجيعتها وما كان من أهل القرية الفقيرة إلا أن قاموا بتجميع ثمن الكفن بحملة تبرع بسيطة شارك فيها كل أهالى القرية قدر المستطاع وانتهى المشهد بدفن المتوفى وتقديم واجب العزاء إلا أن أحد أهالى القرية كان الألم يعتصر قلبه مما حدث وظل يسأل نفسه لم حدث ذلك وإلى متى وما الحل ومن شدة حيرته قرر أن يشارك أهالى القرية تفكيره من أجل البحث عن مخرج حتى لا تتكرر تلك الواقعة المؤلمة.
كانت هذه الليلة الحزينة نقطة تحول فى تاريخ القرية التى بكى كل أهلها على ما وصل إليه حالهم فقرروا أن يحولوها من محنة إلى منحة ونقطة انطلاق فى مسيرة استمرت 4 عقود استطاعوا فيها أن يحفروا اسم قريتهم بحروف من ذهب بعد نجاح حملة التبرعات المالية بقيمة 5 قروش من كل منزل لشراء كفن المتوفى وقرروا استثمار باقى المبلغ فى إنشاء وحدة لصناعة السجاد لتنطلق منها إلى عالم الصناعات الحرفية واليدوية وخاصة صناعة السجاد اليدوى السياحى الفاخر بمختلف العقد من الصوف والحرير وكذلك الكليم الفلكلورى بمختلف الرسومات حيث يتم صناعة السجاد السياحى من أجود الخيوط الصوفية كما ينتج السجاد من الحرير الطبيعى ذو الجودة العالية داخل مركز متكامل ينتج الصوف من المنبع ويصدر إنتاجه إلى الخارج.
الحاج عبد السلام سنوسى أصبح نموذجاً ملهما لكل أبناء قرية البشندى التابعة لمركز بلاط بمحافظة الوادى الجديد والتى تمتاز بشهرتها التاريخية لكونها من أقدم قرى المحافظة ولها قصة متعارفة بشأن اسمها المرتبط بوافد هندى أطلق عليه الباشا الهندى والذى التصق اسمه بالقرية وتحول الإسم إلى بشندى ولكن شهرتها فى العصر الحديث تحقق من رحلة كفاح شارك فيها نساء القرية قبل رجالها، وأنشاؤا جمعية تنمية المجتمع المحلى بالقرية بدعوة من هذا الشاب الطموح ومنها انطلقت مسيرة التنمية بدعم الأجهزة التنفيذية بالمحافظة حيث نفذت الجمعية حوالى 20 مشروع انتاجى وتنفيذ مزارع ومشروعات صوب وإنتاج حيوانى واغنام وطحن غلال والاستفادة من مبادرات الطاقة النظيفة بإدخال منظومة الطاقة الشمسية لتشغيل المشروعات الخاصة بالجمعية.
وقال الحاج عبد السلام سنوسى فى تصريح خاص لـ انفراد، أنه قرر بالتعاون مع أهل القرية تأسيس أول جمعية تنموية بالقرية بدأت بحجرة كانت عبارة عن مركز لتدريب الفتيات على الخياطة، ثم غرفتين وتنامت حتى أصبحت تضم أكثر من 20 مشروعا إنتاجيا يشمل صناعة الكليم والسجاد والغزل ومطحن الغلال وفراكة أرز ومركز تدريب فتيات على الخياطة وأعمال الخوص والتنمية البيئية والتى تضم مشروع الصرف الصحى والتشجير والقمامة وتربية الأغنام والأبقار ومزرعة الخير لإنتاج الخضروات والفاكهة كما جرى تنفيذ مشروع أبقار الخير لتوزيع الألبان على فقراء القرية، ومشروع للأغنام يتم استغلاله فى الأضاحى وتحسين السلالات واستخدام الصوف فى أعمال السجاد والكليم، كما يجرى استصلاح وزراعة نحو 1000 فدان لتوزيعها على شباب القرية، وهو ما ساهم فى اختيارها ضمن أفضل 10 قرى على مستوى الجمهورية.
وأضاف سنوسى، أن أهل قرية البشندى يمتازون بالتحدى والعزيمة والصبر على العمل من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتى من الموارد والاحتياجات وتوفير الدخل الملائم لابنهائها من فرص العمل وخاصة السيدات والفتيات وهو ما جعلها أكبر مركز لصناعة السجاد والكليم على مستوى المحافظة، وحازت على ثقة العملاء من خلال الدقة المتناهية فى التصنيع والجودة العالية مقارنة بالأسعار المنخفضة التى يتم بيع المنتجات بها، مؤكدا على أن سمعتها الجيدة وإتقان العمل والالتزام بتنفيذ المشروعات على أكمل وجه عزز من كسب ثقة الجهات المانحة والدعم الحكومى لتتحول إلى مركز متنامى للتصنيع اليدوى ومنظومة متكاملة للمشروعات الإنتاجية التى ساهمت فى القضاء على البطالة بالقرية.
وأكد سنوسى أن القرية كانت صاحبة السبق فى تنفيذ أول شركة مساهمة من الأهالى لتنفيذ مشروع الظهير الزراعى بها على مساحة 200 فدان قابلة للزيادة، حيث تم البدء فى التنفيذ فعليا ليستفيد من المشروع حوالى 40 شاب من أهالى القرية كمساهمين فى مشروع استثمارى زراعى، ضمن مشروعات الظهير الزراعى التى أطلقها اللواء دكتور محمد سلمان الزملوط محافظ الوادى الجديد مشيراً إلى أن الطفرة الإنتاجية التى حققتها الجمعية خلال السنوات الأخيرة كانت بدعم غير مسبوق من محافظ الإقليم الذى يحرص على المتابعة الدورية لمنظومة العمل ويوجه بتذليل كافة العقبات ويدعم منظومة تسويق منتجات الجمعية من السجاد اليدوى والكليم.