فيما تحاول الحكومة، طمأنة الجميع فيما يخص قانون ضريبة القيمة المضافة، وتأثيراته على الجانب الاقتصادى، وعلى الأسعار فى الشارع المصرى، إلا أن حالة الجدل لم تنقطع منذ بدء مناقشات القانون بمجلس النواب، وتدافع الحكومة عن نفسها مبررة ذلك بخطة الإصلاح الاقتصادى.
غير أن سؤالا يطرح نفسه.. هل اختارت الحكومة التوقيت المناسب لطرح قانون القيمة المضافة، وهو سؤال تفرضه الأوقات الحرجة الحالية التى يمر بها الاقتصاد المصرى، فى ظل ارتفاع معدل التضخم لأعلى مستوى له منذ 5 سنوات، وانخفاض فى قيمة الجنيه أمام الدولار، وتراجع للصادرات المصرية.
قبل الإجابة على السؤال يجب أن نشير إلى أن الحكومة بنت النصيب الأكبر من إيرادات موازنتها فى العام المالى الجديد، على حصيلة الضرائب، حيث حددت الإيرادات المتوقعة من الضرائب بـ433.3 مليار جنيه بنسبة 64.69 % من إجمالى إيرادات الموازنة البالغة 669.755 مليار جنيه، أما باقى إيرادات الموازنة من صناعة وتجارة وقطاع أعمال وبترول وسياحة وفوائد وقناة السويس ومناجم وحصيلة استغلال أراض سياحية وإيجار أراض ومقابل رخص أسمنت وحديد وبيع سلع وخدمات وأقساط محصلة من الإقراض 234.242 مليار جنيه فقط، وهو رقم مخيب للآمال، ويلقى العبء الأكبر على وزارة المالية التى لم تجد موارد إلا باللجوء للضرائب، خاصة فى ظل عجز متوقع قيمة 319 مليار جنيه.
الحكومة مدفوعة بخريطة إصلاحات متفق عليها مسبقا، -ستترتب عليها آثار مستقبلية-، تسعى لإصلاح تشريعى وضريبى وإدارى، ولذا تهرول –رغم المعوقات التى يضعها أمامها مجلس النواب- لإقرار قانونى الخدمة المدنية، و"القيمة المضافة"، موعودة بموافقات دولية بالحصول على قرض 1.5 مليار دولار من البنكين الدولى والإفريقى، إذا نفذت الإصلاحات المطلوبة، بجانب الإصلاحات الأخرى التى تتضمن تخفيض الدعم وطرح الشركات والمؤسسات المملوكة للدولة فى البورصة، التى تسهل حصول مصر على قرض "صندوق النقد الدولى"، والتى تؤكد كل المؤشرات أننا متجهون إليه لا محالة.
التوقيت الذى طرحت فيه الحكومة مشروع قانون القيمة المضافة، يتزامن مع انخفاض شديد للجنيه أمام الدولار فى السوق السوداء وصل إلى 11.30 قرشا، بعد تلميحات بخفض جديد للجنيه، مع ارتفاع آخر هذه الأيام إلى ما يقارب 12 جنيها بالتزامن مع مناقشات مجلس النواب ضريبة "القيمة المضافة"، وتزامن أيضا مع ارتفاع التضخم فى الأسعار خلال الشهر الماضى إلى 14.8 % فى أعلى معدل ارتفاع منذ 5 سنوات.
الحكومة ترى أن القيمة المضافة سيكون تأثيرها محدودا وأن التضخم سيتراوح بسبب "القيمة المضافة" بين 1 : 3 %، لمرة واحدة فقط، بحسب تصريحات ممثلى الحكومة، وأكدت أكثر من مرة أن تأثيره "محدود" على محدودى الدخل، وأعلنت عن إعفاء 52 سلعة وخدمة أساسية.
غير أن كل ما تقوله الحكومة عن عدم تأثير الضريبة الجديدة "المحدود"، تنفيه دراسة رسمية لوزارة المالية أشرفت على إعدادها صفاء حلمى السيسى مدير الإدارة العامة للبحوث المالية بالوزارة، تحذر من تطبيق "القيمة المضافة" فى وقت انخفاض قيمة "الجنيه" وترتفع فيه أسعار السلع.
الدراسة المنشورة على الموقع الرسمى لوزارة المالية، شرحت المتطلبات والشروط اللازمة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بصورة فعالة وعادلة، وقالت "يجب تحديد توقيت مناسب لتطبيق ضريبة القيمة المضافة لتفادى حدوث ضغوط تضخمية، فاستحداث الضريبة فى وقت تنخفض فيه قيمة العملة الوطنية وترتفع أسعار السلع المستورة سوف يعتبر مسئولا بشكل كبير عن ارتفاع الأسعار".
واتفق خبير الضرائب هانى الحسينى مع دراسة وزارة المالية قائلا: "التوقيت خاطئ لأن الضريبة تضاف على تكلفة السلع والخدمات ومستلزمات الإنتاج، وبالتالى التضخم يرتفع بإضافة هذه الضريبة، وكان يجب تطبيقها فى وقت مستقر"، مضيفا أن الضريبة ستلقى عبئا شديدا على المستهلكين.
وأضاف فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، أن البنك الدولى بشكل أساسى فى تقاريره ينصح بتطبيقها فى وضع مستقر، وفى فترات الركود السعرى، وهذه الضريبة على المعاملات والسلع ستؤدى لآثار تضخمية فى السوق.
وقال: "كان يمكن للحكومة النظر إلى الضرائب التى تدر حصيلة ضعيفة مثل "ضريبة التصرفات العقارية على الأراضى"، وكان يجب على الدولة تطبيقها بشكل جيد وحصر هذه التصرفات فى المدن الجديدة، وكانت ستحقق حصيلة -بحد أدنى- ضعف الضريبة على القيمة المضافة".
لكن رغم كل ذلك فبالتأكيد الحكومة مغلوبة على أمرها، فهى لا تتحمل -وحدها- خطايا 30 عاما من التجريف والإهمال، وهى تسعى لإقرار "القيمة المضافة" تتعلق بـ"قشة غريق"، لإنقاذ وترقيع الموازنة فى ظل تراجع الموارد الرئيسية من دخل السياحة، وتحويلات المصريين من الخارج، وعائدات قناة السويس، والصادرات، وتدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر، وعدم وجود صناعة حقيقية قادرة على "النهوض بالاقتصاد المصرى"..