عادت سوريا إلى مقعدها داخل الجامعة العربية بعد تجميد العضوية لنحو عشر سنوات نتيجة احتدام المواجهات العسكرية المسلحة فى البلاد منذ عام 2011 لكن هذه العودة تعد خطوة أولى من الدول العربية لإعادة الدولة السورية إلى الحضن العربى لكن الأمر يحتاج المزيد من الجهد والخطوات كى نحافظ على الهوية العربية للدول السورية التى تحتاج فعليا إلى معالجة أزمات ومشكلات داخلية متفاقمة تهدد النسيج المجتمعى، تعد هذه خطوة أولى فى مشوار الألف ميل أمام حكومة دمشق.
لا أحد ينكر أن التدخلات الخارجية وتحديدا الأجندات الإقليمية كانت سببا فى زعزعة أمن واستقرار سوريا، هذه التدخلات التى بدأت مع مطلع الواحد العشرين كانت تهدف بالأساس لاستهداف النسيج المجتمعى لسوريا العربية، والدفع نحو آتون الصراعات العرقية وخلق حساسيات طائفية بين مجتمع تعددى تعيش به فئات وطوائف وأقليات مختلفة.
تحتاج سوريا إلى القيام بخطوات فعلية مدعومة عربيا للحفاظ على هويتها العربية التى نفتخر بها جميعا والدفع نحو توفير أرضية مشتركة تجمع كافة السوريين تحت راية الدولة الوطنية المؤسساتية التى لا تفرق بين أيا من الطوائف السورية التى تتواجد فى البلاد سواء كانت متصدرة للحكم أو مكونات أخرى بعيدة عن المشهد السياسى أو القيادي.
تحتاج سوريا من جميع الدول العربية دعم المشروع الوطنى الذى يؤسس للدولة السورية المؤسساتية والتصدى لمحاولة بعض الأطراف الإقليمية فى اللعب على وتر الطائفية سعيا للعبث بأمن واستقرار سوريا بشكل خاص والدول العربية بشكل عام، فضلا عن دعم حكومة دمشق فى كسر هذا التوجه نحو دفع البلاد نحو الطائفية والعرقية.
شريحة واسعة من أبناء الشعب السورى يتمسكون بالدولة الوطنية والمواطنة التى لا تفرق بين أيا من العرقيات، فضلا عن الدفع نحو معالجة أى محاولات لإرساء الطائفية السياسية والاجتماعية فى المجتمع السورى، لأنهم يدركون أن مواجهة هذه التحركات والمخططات هى بالأساس مصلحة للدولة السورية، لأن عودة سوريا إلى دورها العربى والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقلاليتها هى إضافة كبيرة للمشروع العربى الجامع والشامل.
لا يخفى على أحد خطورة اللعب على وتر الطائفية التى مزقت ودمرت عدد من الدول نتيجة دفع بعض الأطراف الإقليمية للمجتمعات نحو الطائفية المجتمعية التى استهدفت الدولة الوطنية وأدت لتراجع مفهوم المواطنة فى بعض المجتمعات العربية.
أحد أبرز المشكلات والآفات التى ضربت الإقليم التدخلات الخارجية التى عملت على تنفيذ أجندات خاصة وضيقة دون النظر والالتفات إلى سيادة واستقلالية الدول، لذا يجب أن تعمل الدول العربية على تشكيل محور قوى يؤكد على أهمية العلاقات المبنية على احترام السيادة والتعاون بين الدول وفق المصلحة المشتركة ودون التدخل فى الشؤون الداخلية، ويعد هذا المحور أحد أبرز المحاور التى ترتكز عليها السياسة الخارجية للدولة المصرية.
الحفاظ على الأمن القومى العربى وضرورة إرساء مفهوم دولة المواطنة ليس مجرد عبارات يتم ترديدها بين الحين والآخر بهدف معين لكنها أدوات يجب أن يتم تقويتها خلال الفترة المقبلة كى تكون الدول العربية قادرة على الصمود والمواجهة أمام أى محاولات من بعض الأطراف الداخلية للعبث بأمننا القومى أو هويتنا العربية أو المحاولات الخبيثة التى تجرى منذ سنوات لاستهداف دولة المواطنة.
علينا جميعا دور كبير فى اتخاذ خطوات فعلية لدعم مؤسسات الدولة السورية وتقويتها كى تكون قادرة على إرساء الأمن والاستقرار وإخراج القوات الأجنبية غير الشرعية التى تعبث وتمرح فى بعض المناطق السورية، وهو ما يهدد سيادة واستقلالية ووحدة الدولة السورية التى نأمل أن تعود إلى الركب العربى سريعا بخطوات فاعلية حاسمة وسريعة للحفاظ على الهوية العربية للدولة الوطنية السورية.
تحديات عدة تواجه الدولة السورية بعد عودتها إلى الجامعة العربية وقد تحدث عنها نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأردنى أيمن الصفدى خلال حواره مع شبكة "سى – أن – أن " الأمريكية والتى تطرق خلال لهذه التحديات التى تنتظرها دمشق فى حل الصراع المستمر منذ أكثر من عقد كامل، موضحا أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية ستحدث وهى حدثا مهما من الناحية الرمزية لكنها مجرد بداية متواضعة جدا لعملية ستكون طويلة، على حد تعبيره.
وأكد "الصفدى" أن استعداد سوريا لإحراز تقدم حقيقى فى حل الصراع سيساعدها فى الفوز بالدعم العربى الحاسم للضغط من أجل إنهاء العقوبات الغربية فى نهاية المطاف، والتى تشكل عقبة رئيسية أمام بدء جهود إعادة إعمار كبيرة.
يجب علينا جميعا عدم التعامل بشكل سطحى مع عودة سوريا إلى مقعدها إلى جامعة الدول العربية لأن ذلك طبيعى ومنطقى لكننا بحاجة للحديث عن ما هو أعمق من عودة سوريا إلى الجامعة، ويأتى فى مقدمة ذلك تعزيز الهوية العربية والثقافية للدولة السورية والدفع نحو تقوية دولة المؤسسات القائمة على المواطنة والشراكة ونبذ الطائفية والحزبية، والتأكيد على أهمية احترام الإقليم لسيادة واستقلالية ووحدة سوريا ضد أى مشاريع إقليمية طائفية تمزق ولا توحد.. تهدم ولا تبني.
هناك حاجة ماسة لتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة بأزمة سوريا وفى مقدمتها القرار الأممى 2254 الذى يوفر إطارا عاما للتسوية السياسية فى سوريا حيث يتضمن عناصر هامة وهى وقف إطلاق النار بالتوازى مع مفاوضات تدفع نحو وضع دستور جديد يجرى على أساسه انتخابات عامة فى البلاد، التصدى لظاهرة الإرهاب، تدفق المساعدات الإنسانية، الإفراج عن المحتجزين والمختطفين، عودة اللاجئين وبدء عملية إعادة الإعمار للمدن المدمرة.
لمسنا خلال الأشهر الماضية أن حدة القتال قد خفت بشكل ملحوظ فى الكثير من المدن والبلدات السورية، لكن البلاد فى حاجة لوقف إطلاق نار دائم ومستدام وألا يكون هشا، بالإضافة لضبط الحدود المشتركة مع دول الجوار السورى التى لا تزال تعانى من تجاوزات بعض القوات الأجنبية غير الشرعية التى تتواجه فى الأراضى السورية خاصة المملكة الأردنية الهاشمية التى يمكن أن تلجأ إلى إجراءات حاسمة لحماية حدودها المشتركة وأمنها القومي.
الجدير بالذكر أن العملية السياسية فى سوريا تتمحور حول الإصلاح الدستورى الذى تم تشكيل لجنة دستورية لديها جدول أعمال تم الاتفاق عليه بين جميع الأطراف، ويجب أن تنهى هذه اللجنة أعمالها فى توقيت يسمح لها بتنظيم الانتخابات بشكل متزامن، وتبقى قضية اللاجئين السوريين أحد أبرز المشكلات التى تحتاج لمعالجة حيث يتواجد ملايين السوريين خارج البلاد نتيجة المواجهات المسلحة العنيفة وانتشار الجماعات الإرهابية داخل بعض المدن السورية خلال العقد الماضي.