"اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير، من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش المصرى وتسبب المرتشون والمغرضون فى هزيمتنا فى فلسطين" هكذا جاء البيان الأول لثورة 23 يوليو 1952، ونحن الآن بصدد الاحتفال بالذكرى الـ64 على قيامها للقضاء على عوامل الفساد وإنهاء المؤامرة على الجيش حتى يعود لمصر جيشها القوى المعروف على طول التاريخ.
ليوليو 52 العديد من الأهداف الرئيسية التى كان على رأسها القضاء على الاستعمار وأعوانه والخلاص من الاحتلال البريطانى الذى تحقق بالفعل على عدة مراحل، كان آخرها خروج آخر جندى عام 1956، وتمثلت ثانى أهدافها فى القضاء على الإقطاع، ثم القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال، ثم إقامة جيش وطنى قوى وإقامة عدالة اجتماعية، وإقامة حياة ديمقراطية سليمة، وعلى الرغم من نجاح الثورة فى تحقيق عدد من الأهداف لكن كان لها بعض الاخفاقات، لكن بعد مرور 64 عاما يبقى التساؤل ماذا تبقى من تلك الثورة؟
المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، وكيل مؤسسى الحزب الاشتراكى المصرى، قال إن التجارب العظيمة تخلد ذكراها فى ذاكرة الدول، فما زالت مطالب الجنود والضباط المصريين التى تم الإعلان عنها فى 1881 التى بلورها أحمد عرابى ما زالت قائمة وراسخة فى وجدان المصريين حتى الآن وهو ما يتكرر فى ثورات تالية لها مثل 1919 و1952 بالإضافة إلى يناير 2011.
وتابع "شعبان": "على الرغم من كون 23 يوليو لها أخطاء جسيمة إلا أن لها مطالب مازال يبحث المصريون عن طرق لتحقيقها مثل العدالة الاجتماعية والتحرر الوطنى، مضيفا إلا أن أهم ما يحسب ليوليو 1952 أنها أنصفت ملايين الفقراء المصريين الذى يمثلون السواد الاعظم من الشعب، من خلال سياستها الواضحة وشعاراتها القائمة على ضرورة تطبيق العدالة الاجتماعية، موضحا أنها نجحت فى تحويل التعليم إلى أن يصبح كالماء والهواء بعد أن تحول إلى نظام تعليمى مجانى استوعب الملايين من المصريين".
وأضاف أن ثورة 52 غير مسئولة عن الارتداد عن تطوير التعليم الذى أصبح بلا قيمة فعلية وغير مجانى، قائلا: "لولا هذا المبدأ لكان أكثر من 90% من المصريين يعانون الأمية حتى الآن".
ويكمل كان المشروع القومى لدولة ما قبل يوليو 52 هو مجرد مكافحة الحفاء برعاية من الملك ومحاولته إنشاء مصنع لتصنيع الأحذية البلاستيكية، إلا أنه بعد يوليو كان أهم مشروعات الدولة هى أن يمتلك الفلاح أرضه وأن يقدم على بناء حياة جديدة بشكل إنسانى، وأصبحت الدولة بدلا من تفكيرها فى مصنع الأحذية البلاستيكية أصبحت تتجه نحو إنشاء قلاع صناعية تستوعب الملايين من العمال المصريين، بالإضافة إلى وضع العديد من قوانين العمل المنصفة للعمال والحافظة لحقوقهم، لكن الارتداد عن هذه المبادئ لا يجب أن تتحمله ثورة يوليو.
ويتابع وكيل مؤسسى الحزب الاشتراكى المصرى، أن من أبرز إنجازات يوليو الباقية هى قيادتها لحركات التحرر الوطنية فى الدول العربية والدول الإفريقية والعديد من دول أمريكا الجنوبية، فمصر كانت منارة التحرر العالمى، التى حطمت أكبر إمبراطوريتين فى عام 1956 بإلحاق الهزيمة السياسية بفرنسا وإنجلترا فى العدوان الثلاثى على مصر، بالإضافة إلى وقوفها بعيدا عن محاولات الاستقطاب بين الشيوعية والرأسمالية بقيادتها لحركة عدم الانحياز مع الهند ويوغوسلافيا، قائلا: "هذا الدور المصرى التحررى لا ينكره إلا مغرض أو جاهل".
أما أحد عطايا الثورة كما يصفها بهاء الدين شعبان هو إعادة بناء جيش مصر الذى تحول من جيش شرفى محدد سقفه فى البناء والتسليح إلى جيش قوى قادر على أن يكون حاميا لمصر ودرع لمنطقته، موضحا أن الجيش قبل يوليو 52 كان خاضعا لقيادة أما إنجليزية مباشرة أو من خلال وجوه مصرية من داخل الجيش خاضعة للاحتلال الإنجليزى.
ويكمل أن الإحساس بالإحباط العام يبقى أحد أهم إنجازات يوليو 52 أنها رسخت لهوية وطنية مصرية تحافظ على مصر وقت الأزمات، وخاصة فى ظل الانهيار المتتالى للعديد من الدول المجاورة فأصبح المواطنون يشعرون بفترات من الإحباط إذا ما تعرضت بلادهم إلى أى اضطرابات.
أما المهندس محمد سامى، رئيس حزب الكرامة، يرى أن هناك رصيدا ماديا ومعنويا ضخما مازال باقيا فى الذكرى الـ 64 لثورة يوليو 1952 من أهمها تأميم قناة السويس وإقامة السد العالى، وإجلاء الإنجليز عن مصر، وإنشاء العديد من القلاع الصناعية الكبرى.
ويكمل التعليم المجانى الذى بفضله تخرج آلاف من الشباب المصرى من الجامعات المصرية ليرتقوا أفضل المناصب من أطباء ومهندسين ومدرسين مكونين النواة الأولى للطبقة المتوسطة المصرية، التى قادت مصر فى أوقات الأزمات.
وأضاف أن الأنظمة المصرية التى تولت حكم مصر منذ 28 سبتمبر 1970، يوم وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر"، اعتبرت من مجانية التعليم والحق فى العلاج وحق الدولة فى دعم الفقراء، والقلاع الصناعية العظيمة، وغيرها من مكاسب يوليو أعباء اقتصادية يجب التخفيف منها، وهو ما يعد خطأ جسيما لهذه الأنظمة التى لجأت لتخفيف ما اعتبرته أعباء اقتصادية بتخفيض الدعم والاتجاه إلى إلغائه ثم خصخصة الشركات والمصانع الوطنية بدعوى أنها خاسرة.
رئيس حزب الكرامة يرى أن خطط عبد الناصر الطموحة تم الانقضاض عليها من قبل المتربصين فجاءت هزيمة 1967 لتضع حدا للخطة الخمسية الوحيدة التى تم وضعها فى هذا الوقت، لتصرف النظر عن البنية التحتية لبناء الجيش وتسليحه لاستعادة الأرض المحتلة.