مرض لويس التاسع ملك فرنسا مرضا شديدا وهو فى الثلاثين من عمره، فنذر أن يقوم بحملة صليبية جديدة إذا نجا من هذا المرض، وفقا للدكتور محمد حلمى أحمد فى كتابه «مصر والشام والصليبيون»، مضيفا: «نجا الرجل فبدأ فى التخطيط لتنفيذ وعده والوفاء بنذره، وباركته البابوية، وبدأ بحملة دعائية لم يقدر لها النجاح إلا فى فرنسا، وهكذا بدأ التنفيذ داخل النطاق الفرنسى».
فى 1248 تحركت حملة لويس التاسع، وكانت السابعة من الحملات الصليبية الثمانى للشرق، أربعة منها إلى الشام الأولى عام 1097، والثانية والثالثة والسادسة، واثنتان ضد مصر هما الخامسة والسابعة، والرابعة ضد القسطنطينية، والثامنة نزلت بشمال أفريقيا، حسبما يؤكد الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور فى الجزء الأول من كتابه «الحركة الصليبية».
كان «لويس التاسع» يجمع فى شخصه، وفقا للدكتور حلمى أحمد: «الحزم، الشجاعة، القسوة، الفدائية، الصمود، وفوق هذا وقبله الإخلاص لهدفه، حتى إن المؤرخين أطلقوا عليه «القديس لويس»، لكنه افتقد بعد النظر وسلامة التقدير العسكرى للكثير من المواقف، وكان يستمع لكثير من توجيهات أخيه، برغم اعتراض قادة الحملة عليها»، وأثرت هذه الخصال سلبيا فى قيادته لحملته التى تجمعت فى قبرص، ونالت هزيمتها فى المنصورة وتم أسره فيها، ويذكر «حلمى» أنه «صحب معه زوجته واثنين من إخوته وعددا من كبار النبلاء، وفى قبرص عقد اجتماعا للقادة لبحث موضوع اتجاه الحملة إلى القدس أم إلى مصر؟ ورجحت كفة الاتجاه إلى دمياط فى مصر مباشرة، كبداية للطريق إلى القاهرة.
وصلت الحملة قبالة دمياط يوم 4 يونيو 1249، ونزلت إلى البر وأمامها لويس يخوض المياه الضحلة، وهو يرفع سيفه ودرعه فوق رأسه، وفقا للدكتور قاسم عبده قاسم فى كتابه «ماهية الحروب الصليبية»، مضيفا: «انسحب المدافعون عن المدينة بسرعة بعد أن ظنوا أن سلطانهم الملك «الصالح أيوب» المريض قد مات «أجريت له جراحة بتر الساق»، وفى أعقاب فرار الجنود والفرسان، فر السكان المذعورون، وهكذا سقطت دمياط دون قتال، وما إن تأكد الصليبيون من حقيقة النصر السهل الذى سقط بين أيديهم يوم 6 يونيو حتى أخذوا يدعمون وجودهم فى المدينة الأسيرة».
يذكر «حلمى» أن الملك الصالح أيوب حين تلقى هذا الخبر وهو مريض، أمر بجمع القادة الذين كانوا مكلفين بحماية دمياط، وعددهم ستين ضابطا كبيرا، وشنقهم جميعا على أعواد الشجر، وتوقف الصليبيون بعد ذلك عن مواصلة التقدم من دمياط انتظارا لإمدادات جديدة، بينما تراجعت القوات المصرية إلى المنصورة، وانتقل الصالح نفسه إلى المدينة ليصبح وسط جنوده، ليشارك بنفسه من فراش المرض فى توجيه المعركة، ورصد مكافآت كبيرة لمن يجيئه برؤوس عدد من الصليبيين، وقام متطوعون بهجمات سريعة على مواقع الأعداء وأسروا عددا منهم أرسلوا إلى القاهرة، وعرضوا بها لرفع الروح المعنوية فى أهلها، وفى أثناء ذلك توفى الملك الصالح أيوب يوم 20 نوفمبر 1249، وأخفى نبأ وفاته زوجته شجرة الدر حتى يتم إجراءات استدعاء ابنه «توران شاه» لتولى السلطة مكانه.
اشتدت المقاومة ضد القوات الصليبية، ويؤكد «قاسم»: بينما كانت هذه القوات تتقدم نحو المنصورة فى سرعة، كان الأمير بيبرس الذى صار فيما بعد السلطان الظاهر بيبرس ينظم الدفاع عن المدينة بشكل جيد، واستطاع بيبرس هزيمة الصليبيين، وتم أسر لويس التاسع فى قرية «منية عبدالله» شمال المنصورة، وكان مع لويس فى الأسر أخواه الكونت شارل والكونت الفونس وانتقلوا إلى دار القاضى فخر الدين بن لقمان فى المنصورة.
يذكر الدكتور محمد سعيد عمران، فى كتابه «تاريخ الحروب الصليبية»، أنه بعد بضعة أيام فتحت أبواب المفاوضات لفك أسر لويس، وانتهت إلى أن يسلم الملك الفرنسى مدينة دمياط فدية عن نفسه، ويدفع مبلغ ثمانمائة بيزنط فدية لأسرى الصليبيين، ويطلق سراح أسرى المسلمين الذين فى حوزته، وأسرى المسلمين فى الشام، وأن يعمل الصليبيون على حفظ الأمن والاستقرار فى جميع البلاد، التى تحت أيدى الصليبيين فى بلاد الشام، واقسم الطرفان على احترام شروط الصلح، ومن فارسكور تم نقل لويس ومن معه من الأسرى فى سفن إلى دمياط، وانتظر لويس لبعض الوقت، حيث كانت زوجته تعانى آلام الوضع، وأرسل بعض قواته إلى دمياط لتسليمها للمسلمين فى يوم 7 مايو بعد أن ظلت لمدة عام تحت سيطرة الصليبيين، وفى اليوم الثانى 8 مايو، مثل هذا اليوم، عام 1250، أقلعت سفن الفرنج حاملة فلول الحملة الصليبية السابعة متجهة إلى عكا بعد أن أنهكتها الهزائم.