منذ دعا الرئيس السيسى، إلى الحوار الوطنى، وحتى انعقاد الجلسة الافتتاحية، وكل يوم كانت هناك خطوة فى طريق الحوار الوطنى، وتظهر ملامح باتجاه الانفتاح وإدارة التنوع فى المجتمع، من خلال آليات بدأت باختيار المقررين والمقررين المساعدين للمحاور الثلاثة، السياسية والاقتصادية والمجتمعية، واللجان الفرعية الخمسة عشرة، وإعداد الملفات والموضوعات التى ستتم مناقشتها.
وفى الجلسة الافتتاحية، كان هناك حضور موسع وتنوع من كل الفئات والتيارات، وشهدت الشهور التى تلت دعوة الرئيس الكثير من المناقشات فى الفضائيات أو مواقع التواصل، وتم تفعيل لجنة العفو الرئاسى التى واصلت عملها، وخرج المئات بقرار من النيابة، أو بقرارات رئاسية مع إعادة دمج المفرج عنهم فى المجتمع، ومتابعة عودتهم لحياتهم وأعمالهم، بل وشارك عدد منهم فى الحوار، بما يؤكد إصرار الدولة على السير باتجاه توسيع المشاركة وتدعيم الحوار الوطنى، وبناء جسور الثقة وتوسيع مجال الحوار للجادين والقادرين على قراءة الواقع، والاستفادة من تجربة السنوات الماضية.
ومن خلال كلمات المنسق العام ضياء رشوان، والأمين العام المستشار محمود فوزى، نكتشف أن هناك 3 محاور و19 لجنة و113 قضية، وأنه تم تلقى 180 ألف استمارة من الجمهور حملت آراء واقتراحات لموضوعات وقضايا يرى هؤلاء أنها تستحق المناقشة فى الحوار الوطنى، المفارقة أنه رغم ما يبدو بأن المحور السياسى كان الأكثر طلبا، فقد جاءت القضايا الاقتصادية والاجتماعية لتتصدر الاهتمام، وشغلت القضايا الاقتصادية 37%، تلتها القضايا الاجتماعية 34%، ثم القضايا السياسية 29%، وهو ما يعكس ترتيب الأولويات بالنسبة للجمهور والمشاركين.
الحوار يفتح المجال للنقاش بين التيارات السياسية وبعضها، وليس فقط بين حكومة ومعارضة، حيث على كل تيار أن يقدم تصوراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ورؤيته للأولويات بشكل يتناسب مع أسسه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ونقصد يسارا ويمينا، ووسطا، وإن كان الواقع العالمى فيما يتعلق بالاقتصاد، أسقط الكثير من الحواجز التى تفصل بين الأيديولوجيات، وفرضت العولمة والمنافسات أسسا جديدة لمفاهيم الرأسمال والربح، وكيفية بناء توازن بين الاقتصاد، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ومن المهم أن تكون هناك مجالات للنقاش تتيح الفرص بدون آراء سابقة، خاصة أن العالم يشهد تحولات فى التكنولوجيا والتعليم والاقتصاد ومفاهيم العمل العام، يمكن وضعها فى الاعتبار، ونحن نتحاور على أرضية واسعة.
وعلى مدى سنوات قطعت مصر مراحل متعددة، وواجهت إرهابا ومحاولات تهديد وجودية لحدودها وأمنها، انتصرت عليها وهو ما يفتح الباب لخطوات ربما تم تأجيلها بسبب حرب الدولة والمجتمع للإرهاب، ومحاولة بناء أسس الاقتصاد والعمل العام، والآن يمكن أن تسمح أوضاع الاستقرار بالمزيد من الخطوات، وخلق نقاش سياسى حول الأولويات، وفتح الباب لمشاركة أوسع وملء فراغ يفترض أن يكون غير موجود.
مثلًا لدينا الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى شاركت فى وضعها تيارات واتجاهات مختلفة، وتتضمن كل نقاط الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وحريات الرأى والتعبير، وبالتالى نحن أمام نصوص كثيرة جاهزة ومتوافق عليها، ويمكن أن تكون منطلقا للنقاش، فترة الشهور المخصصة للحوار يمكن البناء عليها لتكون نقطة انطلاق، وبعدها يمكن أن تصل التوصيات أو الأفكار إلى البرلمان أو الجهات التى يمكن أن تنفذ ما بها، لتكون هناك نتائج على الأرض.
وفيما يتعلق بالاقتصاد، فإنه يتحمل الكثير من التنوع فى وجهات النظر، والسعى لأفضل طرق الإنفاق والتدبير، وخلق فرص عمل حقيقية من خلال فتح الباب للصناعة، والزراعة، والتجارة، فى مناخ متوازن، انطلاقًا من قراءة حقيقية للدخل والموازنة، والفرق فى الميزان التجارى، وكيفية دفع العمل وعدم التوقف ومضاعفة الجهد، وإدراك أن الصناعة والقيمة المضافة أساسا التنمية وترجمة ذلك على أرض الواقع، وكيفية تنشيط المشروعات الصغيرة والمتوسطة وخلق فرص عمل، والتفكير فى ترجمة الأفكار إلى خطوات عملية للتنمية، مع الأخذ فى الاعتبار أن الجمهور العام ينتظر شرحًا للواقع يترجم إلى أفكار وتقييمات للواقع والتضخم والأسعار، ونسبة تأثير انعكاسات الأزمة العالمية.
الشاهد أن بناء الثقة يفتح الباب لتنوع واسع فى الآراء، ورسم صورة المستقبل.