أصدرت دار الإفتاء المصرية كتاب "دليل الأسرة من أجل حياة مستقرة" بالتعاون مع وزارة العدل، وغطَّى كافَّة الموضوعات التى تهمُّ الأسرة المصرية.
وتعتزمدار الإفتاءتوزيع الدليل على المأذونين الشرعيين على مستوى الجمهورية لإهدائه إلى الأزواج عند عَقْدِ القران، كما تعتزم تحويل محتوى الدليل إلى برامج تدريبية وتأهيلية للمُقبلين على الزواج، بالإضافة إلى إطلاقها حملات إعلامية لنشر أهداف الدليل، فضلًا عن نشر محتوى الكتاب على هيئة "بوستات" عبر منشورات على منصَّات التواصل الاجتماعى.
وفى صدر الكتاب قدمت نصائح وإرشادات فى العلاقة بين الزوجين، حيث راعـت الشريـعة الإسلاميـة، نظام العلاقة بين الرجل والمرأة وفــق الاستـعداد الفطـرى والتكويـن الجسـدى لكل منـهما، وذلـك لإعمـار الأرض وتحقيـق معنى السكن والمودة والرحمة، مـع غرس روح التـعاون والمشـاركة لصالح الطرفيـن ولصالح المجتـمع كله، فتتسق بذلك دواعى الطبع مع دواعى الشرع، وذلك على النحو الآتى:
1. للزوج ذمته المالية المستقلة، وللزوجة ذمتها المالية كذلك، ولا يُكلَّفُ أحد الزوجين بسداد ما على صاحبه من دين، ولكن يجوز مساعدته فى ذلك من باب حسن العشرة.
مال الرجل هو: ما حصل عليه من عمله وكسبه، وما ملكه من هدايا أو إرث، ونحو ذلك، ومال المرأة هو: ما حصلت عليه من عملها وكسبها، وما ملكته من هدايا أو مهر أو إرث، ونحو ذلك، سواء كان قبل الزواج أو بعده، فلكل من الرجل والمرأة ذمة مالية مستقلة، حتى بعد زواجها، وللمرأة كما للرجل حرية التصرف فى هذه الأموال، سواء بإنفاقها على نفسها أو على بيتها، أو ادخارها.
وقد أثبت الإسلام للمرأة حقها فى التملك والتصرف فى أموالها وأملاكها كيفما شاءت، ومنع الزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئًا إلا بطيب نفس منها، فلها أن تدخر مالها، أو تشترى ما شاءت، أو تعطى من شاءت من مالها الخاص، وأن تنفق على والديها وتساعدهما، ولا يحق للزوج أن يتدخل فى ذلك، ويلزم عليها مراعاة أحكام الشرع الشريف فى صرف المال واستعماله والقيام بما يترتب عليه هذا الملك من واجبات ونوافل.
2. لا تمنــع زوجتـك من عملهـا خاصـة إذا كان ذلك أحـد شروطها قبل الزواج وقد ارتضيته.
الواجب هو مراعاة الشرط لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون عند شروطهم»، وذلك مقيد بعدم منافاته لمصلحة الأسرة، فللزوجة التى تعمل قبل عقد الزواج الالتزام بعملها، وكذلك إذا اشترطت موافقة الزوج على عملها بعد الزواج، أو اتفقا بعد الزواج على أن تعمل، ولها ما يترتب على ذلك من الخروج إلى العمل، ما لم يظهر أن استعمالها لهذا الحق يضر بزوجها وأولادها، ولا يصح للزوجة أن تجعل نفسها ندًّا لزوجها وتعانده.
ولا يصح للرجل أن يتعنت معها، بل لا بد من التعايش وفق الظروف المتاحة حتى تسير الحياة فى سهولة ويسر، فلو تزوجها الرجل وهى تعمل فهذا إقرار ضمنى منه وموافقة لها على عملها، وكذلك لو اتفقا على عملها بعد الزواج، لكن فى المقابل يجب على الزوجة أن تقابل هذا المعروف بمثله كالشكر والثناء على زوجها، ولا تتعسف فى استعمال هذا الحق، كأن تتأخر خارج البيت أو تقصر فى رعاية شؤونه؛ مما يترتب عليه ضياع حق زوجها وأولادها، وهو مما يؤدى إلى زعزعة استقرار بيتها.
3. يجب على كل من الزوجين أداء واجباته المالية الشرعية والقانونية المنوطة به كالزكاة وحج الفريضة والضرائب.
الحج والزكاةمن الفرائض المتعلقة بقدرة الإنسان واستطاعته، قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلٗا﴾ [آل عمران: 97]، وقال جل شأنه: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ [البقرة: 43]، فيجب على كل من الزوجين الحرص على أداء الزكاة والحج من ماله الخاص، فإن قدر أحدهما على مساعدة الآخر فى واجباته الدينية فهو باب عظيم من الفضل والإحسان، وهذا بخلاف زكاة الفطر التى هى واجبة على الرجل، يخرجها عن نفسه وعن أهل بيته جميعًا.
وللزوجين أن يقوما بالحج والعمرة على سبيل التطوع معًا أو أحدهما، وكذلك الإنفاق فى وجوه الخير، ما دام الزوج غير مقصر فى نفقة أسرته الواجبة عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فى سبيلِ الله، وَدِينَارٌ أَنْفَقتَهُ فى رقَبَةٍ، ودِينَارٌ تصدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفقْتَهُ علَى أَهْلِكَ، أَعْظمُهَا أَجْرًا الَّذى أَنْفَقْتَهُ علَى أَهْلِكَ».
وعلى كل من الزوجين أيضًا المسارعة بدفع ما قد يجب عليهم من ضرائب أو رسوم حكومية.
4. لا يجوز للزوج أن يعطى زوجته من زكاة ماله؛ لكون نفقتها واجبة عليه.
قرر الشرع الشريف أن كل من وجبت عليك نفقته لا يجوز لك إعطاؤه من زكاة مالك، فلا يجوز للزوج أن يعطى زوجته من زكاة ماله، هذا بخلاف ما لو أعطاها المال زكاة تدفعه فى ديونها، أو لتنفقه على غيرها من المستحقين، أو تصدق به عليها، فأولى الناس بإنفاق الرجل زوجته وأولاده، قال النبى صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا»، فقال رجل: عندى دينار، قال: «تصدق به على نفسك»، قال: عندى دينار آخر، قال: «تصدق به على زوجتك»، قال: عندى دينار آخر، قال: «تصدق به على ولدك».
فعلى الزوج أن يعلم أن أولى الناس بالنفقة عليه هم زوجته وأولاده، وأنه مأجور على ذلك، وأن النفقة على أهل بيته مقدمة على الانفاق فى وجوه الخير والبر عند الحاجة.
وإنفاق الزوجة - من الصدقة أو الزكاة - على زوجها الفقير وأبنائها المحتاجين أعظم لأجرها، فعندما سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن إخراج المرأة الصدقة على زوجها الفقير قال: «لها أجران».
5. إذا كانت زوجتك غنية أو موظفة فإن ذلك لا يُسقط حقها فى النفقة.
الواجب على الرجل أن ينفق على زوجته وأولاده بالمعروف، قال الله تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ﴾ [البقرة: 233]، فإن امتنع من الإنفاق عليهم مع قدرته، فقد ارتكب إثمًا عظيمًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت».
وإذا كانت الزوجة تعمل، أو كانت غنية، فهذا لا يسقط حقها فى النفقة، فغناها وفقرها ليس له أثر فى وجوب نفقتها عليك أو عدمه، بل هى لازمة على الزوج بغض النظر عن حالتها المادية.
6. لا يحل لكِ أن تعطى شيئًا من أموال زوجك - حتى ولو كان زكاة أو صدقة لأى أحد، مما لم تجر العادة بإعطائه - إلا بإذنه.
مال الزوج أمانة فى يد الزوجة فلا ينبغى أن تهمل فيه أو تضيعه، ولا تخرج زكاة أو صدقة كبيرة إلا بإذنه، ولا يُشرع للزوجة التصرف فى شيء من مال زوجها بدون علمه، فهى كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: «والمرأة فى بيت زوجها راعية وهى مسؤولة عن رعيتها»، ولكن يجوز لها أن تُخرج الشيء اليسير بدون إذنه، وهو المتسامح فيه عرفًا، بحيث لا يغضب الزوج إذا علم به.
وقد أخبرنا سيدنا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أنه: «لا إيمان لمن لا أمانة له»، وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا أنفَقَت المرأةُ مِن طَعامِ بَيتِها غيرَ مُفسِدةٍ، كان لها أجرُها بما أنفَقَت، ولِزَوجِها أجرُه بما كَسَب، وللخازِنِ مِثلُ ذلك، لا ينقُصُ بَعضُهم أجرَ بَعضٍ شَيئًا».
7. ما يقدم للعروسين من نقوط وهدايا مرجعه إلى العرف، فما اعتبر منها دينا يجب رده، وما اعتبر هبةً فلا يجب رده.
من العادات الحسنة بين الناس مسألة المال أو الهدايا التى تُعطى للعروسين، وهذا تعبير عن الفرح والسرور من ناحية، ومن ناحية أخرى فيها إعانة لهما على أمور الحياة بهذه المساعدة التى قد تبدو قليلة فى عددها، لكنها كبيرة فى معناها، ومرد كل ذلك للعرف الجارى بين الناس، ما دام لا يخالف الشرع فى شيء، فيجب رد ما تعارف الناس على رده فى المناسبات، ولا يجب رده فى الهدايا والمنح.
7. إنفاقك على زوجتك يعتبر دينا فى رقبتك، ولا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
المصروفات الأساسية التى هى نفقة الزوج على زوجته واجبة، ولا تسقط إلا بالأداء منك أو الإبراء منها، ولكن يجوز أن تتنازل الزوجة عن شيء من ذلك من باب حسن العشرة، قال الله تعالى: ﴿فَإِن طِبۡنَ لَكُمۡ عَن شَيۡءٖ مِّنۡهُ نَفۡسٗا فَكُلُوهُ هَنِيٓٔٗا مَّرِيٓٔٗا﴾ [النساء: 4]، ونوصى الزوجة فى حال تعسر الزوج عن النفقة فى وقت من الأوقات أن ترفق بحاله وتسانده وتغلِّب جانب الإحسان على جانب التمسك بالحقوق.
8. لا يحق للزوج أن يتصرف فى شيء من منقولات شقة الزوجية أو ذهب المرأة، إلا برضاها.
على الزوج أن يدرك جيدًا أن هذا الذهب جزء من مهر الزوجة وهو حقها وملكها، ولا يجوز له التصرف فيه إلا بإذنها، وإن تصرف فيه فهو ملزم بردِّه إليها فى كل الأحوال.
9. إذا قصَّر الزوج فى النفقة من غير عذر فللزوجة الحق فى أن تأخذ من ماله دون علمه بالمعروف.
أباح الشرع للزوجة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه إذا قصَّر فى الإنفاق عليها بخلًا منه أو تهربًا من النفقة الضرورية، فقد جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله أن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطينى ما يكفينى وولدى إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: «خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف».