الحوار الوطنى فرصة لإدارة التنوع فى المجتمع وإعطاء شعور للجميع بالمشاركة، وتثبت تجربة الشهور التالية، أن هناك جسورا للثقة تتسع بين الأطراف المشاركة فى الحوار، الذى هو مساحة لاستيعاب الآراء المختلفة، وعلى مدى شهور ظهرت ولا تزال آراء متنوعة على مواقع التواصل وتتيح الفضائيات والبرامج والمواقع فرصة لتبادل الآراء، وتثبت التجربة أن هناك تشابكا وتقاطعا بين الملفات والمحاور المختلفة، بجانب أن التجربة العملية والتفاصيل مهمة لأنها تنقل النقاش من الجانب النظرى إلى التطبيق على الواقع، وتتيح طرح بدائل أو الاختلاف فى التفاصيل.
فالاستثمار والاقتصاد يرتبطان بالإصلاح الإدارى، والمشاركة السياسية ترتبط بالوعى والتعليم، والإعلام، ومدى القدرة على طرح وجهات النظر والتنافس بين البرامج المختلفة، من خلال وجهات نظر متماسكة، وبالرغم من أن كل الملفات والمحاور فى الحوار الوطنى، السياسى والاقتصادى والمجتمعى، لكن يمثل الإصلاح الإدارى، أهمية قصوى ويحظى باتفاق عام من الدولة والمجتمع، لأنه يتعلق بحياة الناس وجودة الحياة، لكن قد يبدو الإصلاح الإدارى سهلا فى الطرح النظرى، لكنه فى التطبيق يتطلب أكبر قدر من الدقة والشجاعة فى المعالجة، فالإصلاح ربما يتطلب الاستغناء عن أعداد كبيرة من الجهاز الإدارى، لكن لهذا ثمنه، وفى مرات كثيرة يحرص الرئيس السيسى على أن أى إصلاح لا يفترض أن يضر بفرص العمل أو يتسبب فى الإضرار بالعاملين.
فى 23 أكتوبر الماضى وأثناء كلمته فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاقتصادى، قال الرئيس السيسى إننا نعرف مشكلاتنا، ونستمع إلى آراء كثيرة فى هذا التشخيص والعلاج، لكن المهم هو اختيار التوقيت والقدرة على اتخاذ القرار، وتناول الرئيس ما يتعلق بالمسؤولية والإصلاح والقدرة على الموازنة بين القرار والواقع الاجتماعى والسياسى، وقال إن تأخير الإصلاح الاقتصادى أدى إلى تراكم المشكلات، وتطرق إلى الترهل فى الجهاز الإدارى، بعد وصول عدد الموظفين إلى 6 ملايين موظف، فى وقت لا يتطلب فيه جهاز الدولة كل هذا العدد، وكانت التعيينات تتم بهدف الإرضاء فى بطالة مقنعة لا تسمح بخدمة جيدة ولا رضا، ولهذا اتخذنا قرارا بالعمل على تطوير كفاءة وأداء الموظفين، وهذا القرار كان يجب أن يتخذ مبكرا، لتلافى الترهل الإدارى وسياسة الإرضاء التى تسببت فى المشكلات وتراجع الإدارة، وأشار الرئيس إلى أن من يعرقلون العمل وتنفيذ القرارات هم ناس منا ومثلنا يعيشون معنا، والحكومة هم مثلنا ومنا وليسوا غرباء عنا، وبالتالى فإن الحكومة ليست خصما، لكن الطريق هو الإصلاح الجذرى، والتخلى عن سياسة الإرضاء.
كان الرئيس يشير إلى واحدة من أهم النقاط التى تتعلق بمسار الإصلاح الإدارى، بالشكل الذى يتناسب مع حجم التحديات والتطور التكنولوجى والإدارى فى العالم، وفى نفس الوقت يراعى الواقع الاجتماعى، ويوجه الرئيس بربط التعليم الجامعى باحتياجات السوق وأهمية التوسع فى مناهج حديثة مثل الذكاء الاصطناعى والتخصصات الحديثة فى التكنولوجيا والتعليم الفنى، بما يناسب أهداف التوسع الصناعى والتكنولوجى، وفى نفس الوقت فإن إدخال التكنولوجيا والمناهج الحديثة فى الصناعة، يقلل من فرص العمل للبشر، لحساب الآلة، ففى الزراعة والصناعة الحديثة، تحل التقنيات محل البشر، ونفس الأمر فيما يتعلق بالإدارة، الحديثة، حيث يفترض أن يتراجع العنصر البشرى، ويكون تعامل الناس أكثر مع الآلة.
كل هذه النقاط مطروحة على الحوار الوطنى، فى محاوره الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وعلى الخبراء، وهناك حاجة لوضع كل هذه العناصر فى الاعتبار ونحن نتحدث عن الإصلاح الإدارى، بحيث تتم الموازنة بين الإدارة السليمة، وتوفير فرص عمل حقيقية وليست بطالة مقنعة تسببت على مدى عقود فى تعقيد الأمر ومضاعفة البيروقراطية، وهى خطوات تتطلب تقديم بدائل تراعى كل الأبعاد.