كانت الساعة العاشرة و45 دقيقة صباح 13 مايو، مثل هذا اليوم، 1964 حين ألقى الرؤساء الثلاثة، جمال عبدالناصر، والسوفيتى خرشوف، واليمنى عبدالله السلال، بحجر من الجرانيت لبدء العمل فى غلق المجرى القديم لنهر النيل، ومولد المجرى الجديد الذى ستندفع إليه المياه، حسبما تذكر «الأهرام» يوم 14 مايو 1964.
كانت أسوان وبوصف «الأهرام»: «تعيش أيامها المجيدة فى احتفالها بانتصار إرادة الإنسان المصرى على قوى الطبيعة بتحويل مياه نهر النيل من مجراها القديم إلى مجرى جديد يسيطر فيه على كل نقطة ماء تصل إليه»، تضيف «الأهرام»: «كانت الباخرة رمسيس وفوق ظهرها الرؤساء الثلاثة، آخر باخرة تعبر وإلى الأبد المجرى القديم للنهر الخالد من خلال الثغرة المفتوحة بالسد الأمامى وعرضها 90 مترا، ومن فوق ظهر الباخرة وعند وصولها إلى هذه الثغرة ألقى الرؤساء الثلاثة بحجر الجرانيت».
تذكر «الأهرام»، أن هذا الحدث المجيد بدأ بوصول الرؤساء الثلاثة إلى مطار أسوان الساعة العاشرة إلا الربع صباح 13 مايو على طائرة الرئيس خروشوف الخاصة طراز «اليوشين - 118»، وبعد انتهاء مراسم الاستقبال الرسمى، اتجهوا إلى قاعة المطار وكان فى انتظارهم عدد كبير من الخبراء السوفيت والعرب ومعهم زوجاتهم وأطفالهم.
وعندما دخلوا إلى القاعة تقدمت سيدة روسية إلى خروشوف حاولت أن تتكلم لكن الدموع سبقتها، فنظر إليها خروشوف متأثرا وقال وهو يحاول أن يمسح من عينيها الدموع: «كيف حال الجو هنا؟ فأجابت بالروسية: «ساخن، ولكننا نحب أسوان وجو أسوان»، ثم سألت «خروشوف»: وكيف حال الجو فى موسكو؟ أجاب وهو يضحك: «بارد»، وأضافت: لقد اشتقنا لجو موسكو البارد، لكننا نحن الآن فى جو أسوان الساخن»، تذكر «الأهرام»، أن خروشوف طلب من المترجم أن ينقل هذا الحديث بالعربية إلى الرئيس جمال عبدالناصر، وعندما استمع الرئيس إلى الترجمة ضحك وسأل السيدة الروسية: «تعرفى عربى؟»، ردت بالعربية: «كل واحد روسى هنا يعرف عربى»، رد الرئيس بالروسية وهو يضحك «خراتشو، ومعناها «حسنا».
تضيف «الأهرام»، أن سيارة مكشوفة حملت الرؤساء الثلاثة وأعلام دولهم فى مقدمتها، ووقف داخلها خروشوف مرتديا بدلة فاتحة اللون، ويغطى رأسه بقبعة من الخوص الأبيض، وعلى يمينه الرئيس عبدالله السلال، وعلى يساره جمال عبدالناصر، وبين هتافات التحية من العمال العرب والسوفيت مضى الموكب إلى خزان أسوان، وعلى طول الطريق من المطار اصطف تلاميذ المدارس بملابس فرعونية ويلوحون بالأعلام العربية والسوفيتية.
ومن مرسى خزان أسوان استقل الرؤساء فى الساعة العاشرة وعشرة دقائق الباخرة «رمسيس»، يتبعها أتوبيسان نهريان يقلان كبار المدعوين وعشرات القوارب الصغيرة ولنشات تحمل أكثر من 450 صحفيا جاءوا من أنحاء العالم لتسجيل الحدث التاريخى، وخلع خروشوف جاكتة ووقف فوق ظهر الباخرة ومعه الرئيسان السلال وعبدالناصر يلوحون تحية لمئات من العاملين فى السد كانوا يجرون على طول الشاطئ، يتابعون موكب الرؤساء فى النهر الخالد.
وصلت «رمسيس» إلى السد الأمامى على بعد 7 كيلومترات جنوب خزان أسوان، وبدا المشهد مثيرا رائعا فوق سطح النهر، ووقفت 8 صنادل يطلق عليها «الصنادل الجبارة» تحمل كل منها 250 طنا من الصخور، وعلى الشاطئ وفوق قمة السد الأمامى 85 سيارة تحمل كل منها 25 طنا من الصخور، و5 حفارات حمولة الواحدة منها 250 طنا تنقل الصخور إلى السيارات و20 بولدوزر، ومع كل هذا ثلاثة آلاف عامل و140 مهندسا ينتظرون اللحظة التاريخية التى يصدر فيها الرئيس جمال عبدالناصر أمره إيذانا بإغلاق هذه الفتحة الموجودة فى السد الأمامى بعرض 90 مترا.
وعندما اقتربت «رمسيس» من هذه الفتحة، توقفت خلفها جميع الزوارق والقوارب المرافقة، بينما «رمسيس» وحدها والرؤساء الثلاثة فوق ظهرها يمضون عبر هذه الثغرة، وصفارات الصنادل تنطلق، وصفارات العربات الضخمة تدوى، وفى الوقت ذاته الذى مرت فيه «رمسيس» عبر السد الأمامى تعلقت العيون على الرؤساء الثلاثة الذين أمسك كل منهم بحجر تذكارى من الصخر الجرانيتى مكتوب عليه «أنه فى يوم 12 مايو من عام 1946، وباسم الله نلقى بهذا الحجر إيذانا بقفل مجرى نهر النيل».
تضيف «الأهرام»: «ألقى الرؤساء الأحجار فى قاع النهر، وتجاوزت الباخرة رمسيس السد بينما الصواريخ النارية تنطلق فى سماء أسوان ترسم فوق سماء السد تاريخ 12 مايو، وصور الرئيسين عبدالناصر وخرشوف وعبارات الصداقة العربية السوفيتية، وعندما وصلت «رمسيس» على مسافة 100 متر من السد الأمامى رفع الرئيس جمال عبدالناصر ذراعه اليمنى إشارة إلى أسطول الصنادل والسيارات والحفارات والكراكات الواقفة فى الانتظار أن تبدأ عملها وتلقى بصخورها ليكتمل السد، وعلى مدى 7 دقائق ظل الرؤساء الثلاثة يتابعون هذه الحركة الهائلة بينما سحابة من التراب تعلو فى مكان الثغرة المفتوحة ورذاذ الماء يتطاير تخلله الصخور الثقيلة تتساقط فى القاع لتعلو وتعلو، ويرتفع معها البناء.