هناك تشابك وتقاطع بين كل الملفات والمحاور فى الحوار الوطنى، وبينما يركز البعض على الملف الاقتصادى أو السياسى، فإن الملف المجتمعى يتضمن نقاطا تتعلق بالحاضر والمستقبل، ومن بين القضايا الاجتماعية تتصدر قضية التعليم والصحة اهتمامات الكثيرين على مدى عقود، وهناك اتفاق بين كل التيارات من جهة والدولة من جهة أخرى، على أن التعليم والصحة بالفعل يتطلبان تدخلا يعالج القصور السابق وتراكمات المضى من جهة، وأيضا يمكنهما استيعاب الزيادة السكانية والطلب على الخدمات، لأن كل حديث عن تطوير التعليم ينتقل إلى كيفية تمويل المبانى والمعلمين والمناهج، وباقى التفاصيل، وهى أرقام تترجم إلى مئات المليارات وتتطلب توفيرها بجانب كل الموازنات حيث لا يمكن تجاهل الخدمات والنقل والطرق والوقود والحزم الاجتماعية والإسكان والصناعة والزراعة.
وحسب تقديرات وأرقام الجهات المختلفة فإننا نحتاج إلى 60 ألف فصل مدرسى سنويا لتناسب الزيادة السكانية، مع أعداد أخرى لملء الفجوة فى الفصول التى تكونت على مدى عقود، بالطبع فإن هذه الفصول والمدارس تتطلب موازنات ضخمة، بجانب توفير المعلمين الأكفاء، القادرين على استيعاب المناهج الحديثة وطرق التدريس التى تناسب العرض، والكوادر والأدوات والتكنولوجيا، وبالتالى فإن التعليم يتطلب إنفاقا يجب توفير موازناته، من دون تجاهل باقى الموازنات، وأيضا فإن الزيادة السكانية تتطلب توسعا أفقيا ورأسيا فى مدن ومجتمعات عمرانية جديدة، كما يتطلب طرق ومحطات طاقة، حتى يمكن بناء مدارس وجامعات جديدة.
وكل تفكير فى المستقبل يبدأ وينتهى بالتعليم، وفى مصر خلال السنوات الأخيرة تتوجه الدولة نحو تحديث التعليم الجامعى العام والخاص، ويوجه الرئيس السيسى، دائمًا بأن يكون التعليم العالى والجامعى انعكاسا لحاجات المجتمع، وأن يشمل تحديث المناهج فى الجامعات العامة والخاصة والأهلية، بالشكل الذى يربطه بحاجات المجتمع، واستيعاب المناهج والتخصصات الحديثة التى تمثل مطالب لسوق العمل، خاصة جامعات الجيل الرابع التى تربط التعليم بالبحث العلمى وحاجات سوق العمل والمجتمع، وكيف يمكن أن يكون هناك جسر بين الجامعات والصناعة والمجتمع، حيث يمكن للعلم أن يحل المشكلات ويقدم الحلول لما يواجه المجتمع، خاصة فى ظل التوجه نحو التقدم والتنمية.
فى مارس الماضى أعلنت وزارة التعليم العالى استراتيجية التعليم العالى والبحث العلمى 2030، وتهدف إلى رفع جودة التعليم والبحث العلمى وتطبيقاته، وتجهيز الخريجين لسوق العمل، والابتكار وريادة الأعمال وبناء الاقتصاد والمعرفة، بجانب أن التعليم لم يعد قاصرا على تخريج طلاب للعمل المحلى، لكن هناك ما يمكن تسميته عولمة الوظائف، حيث يكون الخريج قادرا على العمل محليا أو فى أى مكان من خلال خبرات وتدريب يمكنه من الابتكار والعمل فى نطاقات متعددة.
إلى أى مدى يمكن أن يشارك الخبراء والمهتمون فى الحوار الوطنى بمناقشة هذه الاستراتيجيات، ووضعها موضع التنفيذ فى ظل إيمان واضح بأن هذا هو الطريق الأفضل، ونحن نتحدث عن تقدم وتطور ولحاق بالعصر، وتلبية طموحات كبيرة فى الصناعة والاستثمار، وأيضا توفير الكوادر البشرية، من خلال ربط التعليم العالى بسوق العمل، وإنشاء جامعات تكنولوجية تتضمن برامج دراسية تناسب سوق العمل، وهى ضمن تخصصات تجد لها مجالات فى سوق العمل، وهو أمر متبع فى الدول الصناعية الكبرى التى تهتم بقطاع التعليم وخاصة التعليم الفنى الذى يمثل أساسا لخدمة الصناعة.
كل هذه نقاط يفترض أن تحتل مكانها فى مناقشات المحور المجتمعى بالحوار الوطنى وتتطلب بدائل مبتكرة تتجاوز المطالب إلى الابتكار، وما ينطبق على التعليم، يمتد إلى ملف العلاج والصحة والتأمين الصحى الشامل، والذى قطعنا فيه شوطا، وتم تطبيقه فى محافظات القناة وبعض الصعيد.
الشاهد أن على المشاركين فى الحوار أن يسعوا لتقديم أفكار يمكنها التفاعل مع ما تحقق، أو تقديم بدائل يمكن تطبيقها.