كان الكاتب والشاعر كامل الشناوى، فى طريقه إلى أحد أصدقائه، ومعه الفنان محمد عبدالوهاب، فأشار إلى فيلا أنيقة وقال له: «هذه الفيلا اشتراها المرحوم أنور وجدى قبل وفاته، وأعدها لمسكنه ومات قبل أن تطأها قدماه»، حسبما يذكر فى كتابه «زعماء وفنانون وأدباء».
يضيف «الشناوى»، أنه فى المساء قابل الكاتب والناقد والمؤلف جليل البندارى، وعرف منه أنه يجمع معلومات عن أنور وجدى، وقال «البندارى» له إن العمارة التى دفع فيها أنور وجدى معظم ثروته، وجذبت إليه عيون الحاسدين لم يدخلها، وهى كاملة البناء، وبالرغم من العمارة والفيلا إلا أنه حين توفى ظل جثمانه فوق الرصيف فى حراسة موظف عنده اسمه «ليون»، بعد أن ذهب إلى مكتبه فوجده مغلقا، وذهب إلى بيته فوجده أيضا مغلقا، وفى الصباح استقل «ليون» عربة تحمل الجثمان إلى المقابر، ولم يكد أهل الفقيد يصلون إلى المقبرة حتى جاءهم من يقول إن مندوب التركات وصل إلى مكتب أنور، فترك أهله المقابر وعادوا إلى مكتبه ليقابلوه.
توفى الفنان أنور وجدى فى 14 مايو، مثل هذا اليوم، 1955 وعمره 51 عاما «مواليد 1904»، كانت وفاته فى استكهولم بالسويد التى سافر إليها للعلاج عند طبيب اخترع جهازا لغسل الكلى، وكان الأول من نوعه فى العالم، لكن هناك ساءت حالته وفقد بصره وعاد جثة بصحبة زوجته الفنانة ليلى فوزى، ووفقا للأهرام يوم 5 مايو 1955: «عرض ثلاثة أرباع ثروته على الطبيب إذا أنقذ حياته».
«كانت نهاياته دراما عميقة لفنان لم يعش طويلا، لكنه كان صانع سينما استثنائيا، يؤلف ويخرج وينتج ويمثل ويصمم دعاية ويكتشف وجوها جديدة»، وفقا لأحمد عبدالمنعم رمضان فى كتابه «صورة مع أنور وجدى»، و«عاش الفقر والحرمان والجوع ثم الحرمان من اللعب بالذهب، وكانت حياته قصة كفاح شاب مغامر نزل شارع عماد الدين وهو لا يمتلك من حطام الدنيا شيئا، لا الاسم ولا الشهرة ولا المال ولا شيئا آخر غير إرادة قوية وصبر وهدف محدد حاول الوصول إليه، وكلما استطاع الوصول إلى هدف، سعى إلى هدف أكبر حتى حقق أهدافه جميعا، من مال وشهرة وكل شىء»، حسبما يذكر جليل البندارى فى مقاله «أنور وجدى.. كومبارس شارع عماد الدين ..وكيف أصبح مليونيرا؟»، بمجلة «آخر ساعة - 18 مايو 1955».
يكشف «البندارى» فى مقاله مسيرة هذا الفنان باعترافاته هو له: «روى لى ذكريات من الأيام السوداء اللذيذة التى أمضاها فى شارع عماد الدين، حدثنى عن الليالى التى كان يشتهى فيها ساندوتش الفول والطعمية، والأيام التى كان يقترض فيها ستة مليمات أجرة تذكرة الترام من أحد زملائه الكومبارس فى مسرح رمسيس، وإذا لم يجد بينهم من يملك أن يقرضه، يضطر إلى قفل أزرار جاكته وينقر بأدب على حسين رياض، أو أحمد علام ليلتمس أجرة الترام».
يذكر «البندارى»: «كان أول هدف حدده لنفسه هو الوقوف على خشبة المسرح ولو فى دور كومبارس، فالتحق بمسرح رمسيس، كان يقف خلف الكواليس ليراقب حركات وسكنات يوسف وهبى، وعزيز عيد، وعباس فارس، وفتوح نشاطى وغيرهم من عمالقة المسرح، كان يقترض القرش صاغ ليدعو واحدا من كبار أساتذته على المقهى، ويتعمد أن يجلس مع الممثل الكبير على رصيف المقهى، ليراه زملاؤه الكومبارس وهو يجالس أحد آلهة شارع عماد الدين».
أمضى فترة طويلة قبل أن يسمح له يوسف وهبى بالوقوف على خشبة المسرح فى دور الكومبارس الصامت، واستطاع بخفة ظله أن ينفذ إلى قلوب آلهة مسرح رمسيس، وأعجب يوسف وهبى بنشاطه، فاختاره ليسند إليه دورا خطيرا يؤديه فى أربعة فصول، وكان دور كومبارس يحمل الحربة ويقف بجوار أحد الأبواب لا يتكلم ولا يتحرك ولايستطيع أن يهرش، ثم أسند إليه فى المسرحية التالية دورا أخطر وأكبر وهو دور الخادم الذى يقول: «من بالباب أيها المهاب؟».
تقرر له راتب شهرى ثلاثة جنيهات، وظل يصعد السلم خطوة خطوة حتى أسند إليه يوسف وهبى دورا قصيرا فى أحد الأفلام، فلفت إليه الأنظار، ثم بدأ فى تمثيل دور الفتى الشرير خفيف الظل الذى يدبر المقالب لبطل الفيلم، ونجح فى تمثيل هذه الأدوار نجاحا منقطع النظير، وظل أجره يرتفع من عشرة جنيهات إلى عشرين إلى خمسين حتى وصل إلى ألف جنيه عن الدور.
أصبحت السينما عالمه الذى يصول ويجول فيه، أصبح فتاها الأول لسنوات طويلة، وخلال فترة توهجه فيها تزوج ثلاث مرات، الأولى من إلهام حسين، والثانية من ليلى مراد، والأخيرة من ليلى فوزى، ومع نجاحاته الفنية كانت ثروته المالية تتصاعد ليضعها فى بناء عمارة، يذكر «البندارى» أنه فى آخر مرة قابله فيها سأله عن موعد تصوير فيلمه القادم، فأجاب: «أريد أن أعيش، أمضيت نصف عمرى فى البحث عن لقمة العيش، وربع عمر فى إنتاج الأفلام، والآن أريد أن اشتغل بإنتاج العمارات، لقد آن لى أن أستريح».