مع انعقاد جلسات الحوار الوطنى كل يوم، تتضح تفاصيل ونقاط مهمة للحوار، ويظهر تشابك وتقاطع بين الملفات، فالسياسى يتقاطع مع الاقتصادى، والاجتماعى ليس بعيدًا، ولا ينفصل الإصلاح الإدارى عن الإدارة المحلية، والتعليم والصحة عن الموازنة والاقتصاد.
وإذا جئنا إلى ملف الصناعة نرى أنه يرتبط بكل المجالات الأخرى، ويتقاطع معها، وعلى مدار السنوات الأخيرة اتجهت خطط الدولة لتأسيس بنية أساسية من الطرق والطاقة، والمدن الصناعية، بما يفتح المجال للتوسيع الصناعى، وينقلنا هذا إلى أهمية التعليم الفنى والتركيز على التخصصات الجامعية والفنية المرتبطة بسوق العمل، مع وجود اتجاه لإقامة صناعات تكنولوجية وتوطينها فى مصر، سواء فى المنطقة الاقتصادية فى قناة السويس، أو فى أقاليم الصعيد التى شهدت مصانع للموبايلات ببنى سويف، أو مدينة الروبيكى التى تم نقل المدابغ إليها وتحديثها وتزويدها بالتكنولوجيا، لاستعادة صناعات الجلود للإنتاج المحلى والتصدير، بجانب مصانع النسيج الحديثة.
وإذا كان الحوار الوطنى يعالج قضية الصناعة، وهذه الأنشطة التى تتوافر لنا فيها خبرات محلية، وتوفر فرص عمل، فمن الطبيعى أن تجرى مناقشة كيفية التوسع فى المعاهد الفنية والمدارس والتدريب، فى مجالات التكنولوجيا، والتخصصات المطلوبة للصناعة، وفى ظل توسع الاستثمارات تجاه التصنيع والأنشطة التكنولوجية، والسيارات وغيرها من الأنشطة التى تتجه الدولة فيها نحو توطين الصناعة، خاصة فى المجالات التى تتوافر لها أسواق محلية وإقليمية.
ويبقى هناك عنصر مهم فيما يتعلق بتوفير البنية البشرية، الدولة من جهتها تدفع نحو ربط التعليم العالى بسوق العمل، من خلال إنشاء جامعات تكنولوجية تتضمن برامج دراسية تناسب سوق العمل، وهى ضمن تخصصات تجد لها مجالات فى سوق العمل، وهو أمر متبع فى الدول الصناعية الكبرى التى تهتم بقطاع التعليم، خاصة التعليم الفنى الذى يمثل أساسًا لخدمة الصناعة، ومن هنا تأتى أهمية تطوير مسارات التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى، التى يوجه بها الرئيس، بحيث تتماشى مع معايير الجودة العالمية، وتفتح باب الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص، لتخريج كوادر مدربة، تتناسب مع احتياجات سوق العمل.
بالنسبة للتعليم التكنولوجى الذى تقدمه المدارس التى يديرها القطاع الخاص، وهى نحو 42 مدرسة، تساهم فى تخريج مهارات وكوادر مدربة، تتوافق مهاراتهم مع احتياجات سوق العمل، وتتجه الدولة لإتاحة مزيد من المدارس الفنية الحكومية لتتم إدارتها من جانب القطاع الخاص كمدارس فنية وتكنولوجية، تنضم إلى المنظومة الحالية التى يديرها القطاع الخاص.
ويفترض أن يتم التركيز على التخصصات الحديثة التى تخدم الصناعة وتوفر فرص عمل مضمونة، فى تخصصات فى صناعات النسيج أو الكابلات والطاقة والكهرباء، والصيانة، وهى مجالات تفتقد إلى كوادر وشركات متخصصة.
ربما يكون الحوار فى محوره الاقتصادى والاجتماعى معنيًا بمناقشة استراتيجية تطوير التعليم الفنى، التى بدأت منذ عام 2018، بجانب «الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد فى التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى»، وهى هيئة مستقلة، تهدف للارتقاء بجودة مؤسسات وبرامج هذه المنظومة، بدعم من شركاء التنمية، تماشيًا مع النموذج الدولى للاعتماد ومتطلبات سوق العمل، وتخدم خرائط التنمية والصناعات المطلوبة فى المحافظات المختلفة، وتربط التعليم الفنى باحتياجات سوق العمل فى الصناعة، خاصة التخصصات التى تفرضها التطورات الجديدة، فى الطاقة الجديدة وتطوير التخصصات الجديدة فى السيارات والنقل والكهرباء والتقنيات الجديدة.
كل هذه النقاط مطروحة أمام الحوار، والمشاركة، وتحتمل تدافعًا بين آراء الأحزاب والخبراء، للوصول إلى منظومة تقوى من خطوات الدولة، وتضمن بناء تصور يخدم الصناعة والتنمية، ويوفر فرص عمل، ويدعم الشباب ويمنحهم الفرص للمشاركة فى التنمية.