سأل محمد على باشا والى مصر أعضاء أسرته وحكومته وديوان القاهرة وبعض العلماء، عن رأيهم فى الاستجابة لمطلب السلطان العثمانى محمود الثانى له بالتدخل للقضاء على الثورة التى شبت فى جنوب بلاد اليونان، فجاء رد مستشاره «بوغوص بك»: «إنه لمجد كبير أن يضع الباب العالى تاج بلاد اليونان على رأسكم، فأنتم خليفة بونابرت فى أفريقيا».
كانت مصر تابعة للدولة العثمانية وقت أن تلقى «الباشا» هذا الطلب، وكانت اليونان كذلك، وفى 25 مارس 1821، بدأت حرب تحرير وطنية يونانية كى تفلت اليونان من «تحت الحذاء التركى» بحسب تعبير «جيلبرت سينويه» فى كتابه «الفرعون الأخير»، ترجمة عبدالسلام المودنى.
يذكر الدكتور جميل عبيد فى كتابه «قصة احتلال مصر لليونان، 1824 - 1827»، أن استغاثة السلطان العثمانى بمحمد على جاءت بعد الانتصارات المتتالية للثوار، التى وصلت إلى إعلان أول محاولة لتكوين حكومة وطنية من الثوار لكل بلاد الإغريق، وسجلت الأحداث طيشا من الطرفين «اليونانى» و«التركى»، فحدث أن السلطة العثمانية كانت «تقتل يونانى واحد على الأقل فى مقابل كل تركى أوقع به الثوار»، ولكن الثورة امتدت إلى كل الجزر اليونانية ورجالها أهل بحر وصيد، فسلحوا أنفسهم وأخذوا يهاجمون السفن التركية، ويقتلون رجالها وينهبون ما بها أو يستولون عليها، فدب الهلع فى قلوب البحارة الترك.
وبالرغم من تبعية مصر للدولة العثمانية، ووجود جالية يونانية فيها، فإن محمد على لم يقع تحت تأثير الرغبة «العثمانية» فى البطش باليونانيين.. يؤكد «عبيد»: قابل محمد على أنباء تلك الاضطرابات دون انفعال، وبالأسلوب الذى رأى أنه يتفق مع مصلحته ومع مصلحة مصر، ولم يتعرض لسلامة أى يونانى يقيم فى مصر ويساهم فى خدمتها أو نهضتها، وذلك بالرغم ما أحيط به علما بشأن النشاط الثورى لبعض الجمعيات اليونانية فى القاهرة والإسكندرية، بل إنه لم يحاول منع أى منهم من الإبحار لوطنه للانضمام إلى ثوار بلاده، كما أطلق فى ذلك الحين سراح بعض اليونانيين الذى أرسلهم له داى «حاكم الجزائر».
هكذا كان الخلاف بين محمد على والسلطان العثمانى فى نظره والتعامل مع الثورة اليونانية، لكن حسابات المصالح خلقت أوضاعا جديدة، فبينما رأى «السلطان العثمانى» فى محمد على باشا أنه الرجل القوى الذى يستطيع إخماد الثورة، رأى محمد على أنها فرصة كى يطلب ما يريد، فاشترط على «الباب العالى» بل وأصر على حتمية أن يأخذ ابنه إبراهيم باشا وضعا رسميا معترفا به داخل الدولة العثمانية كحاكم عام للمورة «جنوب اليونان» بما فيها العاصمة أثينا، وقبل السلطان هذا الشرط، لتبدأ العجلة فى الدوران.
أبحرت القوة المصرية من الإسكندرية فى 10 يوليو 1824، وحسب «جميل عبيد»، فإنها تكونت من 16 ألف جندى نظامى، بالإضافة لبضعة آلاف أخرى تكونت من الفرسان وألفين من غير النظامين، هذا غير أطقم السفن من البحارة، وتم إبحار هذه القوة على عدد من الناقلات، تراوح بين مائة ومائة وخمسين ناقلة فى حماية عدد من السفن المسلحة تراوح بين 51 و63 تحت قيادة إبراهيم باشا.
وصلت القوات المصرية، وقامت فرقة من الجيش بحصار مدينة «نافرين»، وبالرغم مما اتصفت به تلك الثورة من عنف، وبالرغم مما اتصف الثوار اليونانيون به من حماس وطنى ومن استعداد لتقديم تضحيات بالغة، فإن ذلك وحسب «عبيد» لم يمنع البحارة اليونانيين المنضمين إلى تلك الثورة من التوقف أوالإضراب عن القيام بعملهم المكلفين به من قبل قادة الثورة، ألا وهو مراقبة تحركات الأسطول المصرى، وذلك لعدم دفع رواتبهم، مما اعتبروه نوعا من الاستهانة بدورهم الخطير، وما كاد يصل خبر الإضراب إلى إبراهيم حتى وجدها فرصة لا تعوض، فخرج فى يناير 1825 من مأمنه فى خليج سودا، واتجه إلى «مودون» على الساحل الجنوبى الغربى لليونان، حيث إنزال جيوشه فى 24 فبراير 1825.
بعد ذلك، ووفقا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على»، فإنه تم حصار نافرين برا وبحرا، وحاول الثوار اليونانيون أن يمدوها بالرجال والعتاد، لكن إبراهيم باشا استطاع أن يفسد كل هذه المحاولات، ولما يئس الجنود المحاصرون من وصول المدد إليهم، طلبوا من إبراهيم باشا تسليم المدينة بقلاعها وما فيها من المؤن والذخائر والأسلحة إليه، بشرط أن يؤمنهم على حياتهم، فاستجاب لهذا الطلب فى 18 مايو، مثل هذا اليوم، 1825، وهكذا سقطت نافرين.