مع بروز دور مصر المحورى، ومع سطوع شمس المطامع الاستعمارية فى المنطقة، حاول المستعمرون دائما اللعب على وتر العلاقة بين المسلمين والأقباط فى مصر، فى محاولة منهم لشق الصف وفق نظرية "فرق تسد"، لكن دائما ما كانت تلك المطامع تتحطم على صخرة الوحدة الوطنية، رغم تصاعد أصوات المتطرفين والمتشددين فى الفريقين مسلمين ومسيحيين على حد سواء.
وعلى مدار سنوات طويلة، ومع وقوع أى خلاف أو اشتباكات بين عائلات مسلمة وأخرى مسيحية، يتدخل العقلاء من الطرفين، وتتم السيطرة على الأحداث، ويجتمع الطرفان المتشاجران، فى جلسة مصالحة وتراضٍ عن طيب خاطر ودون إملاء أى طرف لشروطه، ويبحث المحكمون أسباب الأزمة، ويتم الفصل بين الطرفين دون النظر لديانتهم، ليتم حل الأزمة من جذورها، ووأد فتنة طمع الكثير من أصحاب النفوس المريضة فى إشعالها.
ومع تعدد وقائع العنف الذى يحب الكثيرون أن يلقبونه بالطائفى، طفت ظاهرة جديدة على السطح، ولمع نجمها على صفحات التواصل الاجتماعى، هم من أطلقوا على أنفسهم النشطاء الأقباط، الذين نصبوا أنفسهم أوصياءً على الكنيسة والقساوسة وأصحاب القرار والعقلاء من أبناء الديانة المسيحية، لينفخوا فى نيران الفتنة، من أجل تنفيذ خطة جديدة لتدمير هذا البلد الآمن.
ومثلما عرف شيوخ الإرهاب ودعاة التطرف، مفاتيح الدخول لعقول الشباب المسلم الصغير، ونجحوا فى صياغة خطاب يلعبون به على أوتار الخوف والغيرة على الدين عند شباب لا يزال عقله خصبا لأى أفكار تدعو للعنف والدماء، تحت راية نصرة الإسلام، لمسنا تزايد أعداد مثل تلك الفئة الضالة، لكن على الجهة الأخرى، عند من رفعوا راية "نصرة الصليب"، وطرد الغزاة العرب من مصر.
لن ندفن رؤوسنا فى الرمال وندعى أن الأمور فى أحسن حال، لكننا فى نفس الوقت لن نسلم عقولنا لمجموعة من المتطرفين والمتشددين ممن ينفث فى نيران الفتنة بين المسلمين والمسيحيين بكل ما أوتى من قوة، لضرب هذا البلد فى مقتل، ولنا فى الصراخ والعويل المستمر على فضائيات الفتنة، وإعلام التطرف، وصحف قلب الحقائق مثالا صارخا ومثالا صريحا على ذلك، هنا ناشط يكتب بوستات نارية بصور مفبركة، وهنا إعلامى يناشد الدول الأجنبية للتدخل لإنقاذ المسيحيين فى مصر من اضطهاد وعنف المسلمين، وهناك كاتب يؤجج نيران العصبية لدى شباب غاضب.
الرئيس عبد الفتاح السيسى، وقيادات الأزهر والكنيسة، فطنوا لتلك المؤامرات مبكرا، وقرروا التصدى لها بكل السبل والطرق المشروعة، وتم التوافق بين كل الأطراف على ضرورة تجديد الخطاب الدينى، وتجنب الخطابات المشددة التى تدعو للعنف والتطرف والحض على كراهية الآخر من كل المناهج الدراسية لدى الطلاب المسلمين والمسيحيين، بجانب تحديث لغة الخطاب فى المسجد والكنيسة، وهو ما كان له بالغ الأثر فى تراجع حوادث الفتنة الطائفية فى مصر.
لكن.. فى خضم المعارك الشرسة التى يتم شنها على مصر من الداخل والخارج على كل الأصعدة، بدأت أصابع خارجية فى تسخير بعض النفوس المريضة من عديمى الوطنية والإنسانية، بدأوا فى استخدامهم لإثارة النعرة الطائفية والعصبية الدينية، ورفض كل ما هو من شأنه تضميد جروح الوحدة، ونفخ النيران فى أى أزمة تنشأ هنا أو هناك، فتتصاعد الأحداث بشكل متسارع، وترتفع حدة الخلافات تليها اشتباكات فيقع ضحايا من هنا وهناك ما بين قتيل ومصاب، فتزيد الأصوات المريضة المطالبة بالتدخل الخارجى فى شئون البلد الداخلية، فتكون بمثابة دعوة "5" نجوم لمجموعة من الذئاب تتربص بفريستها للفتك بها، لكن هيهات.. إنها مصر، وستظل مصر رغم أنف الحاقدين والطامعين والخونة وبائعى أوطانهم لمن يدفع الثمن.