تنعقد القمة العربية الدورية الـ32 فى جدة بالمملكة العربية السعودية، فى وقت دقيق، فى ظل المتغيرات المتلاحقة والأزمات المتصاعدة على المستويين الدولى والإقليمى، وبجانب القضايا المزمنة مثل القضية الفلسطينية، فقد شهدت اضطرابات وصراعات فى سوريا وليبيا واليمن ومؤخرا فى السودان، وهى اضطرابات تنبئ بكوارث ما لم يتم احتواؤها، وهو ما تؤمن به الدول العربية حاليا، يجب أن تسعى لمواجهته، وإعادة مسارات سياسية تكون بديلا عن الاقتتال والصراع.
وشهد الإقليم العربى خلال 12 عاما تقلبات وتحولات وصراعات كادت تطيح بالكثير من ثوابت الجغرافيا والتاريخ، تضاف إليها تداعيات الحرب فى أوكرانيا، وحروب باردة ومنافسات تجارية واقتصادية، تنتج حالة من الاستقطاب العالمى، وتضع الدول والكيانات الإقليمية فى اختبارات متعددة ومحيرة ودقيقة تضاف إلى الأزمات الداخلية فى بعض دول الإقليم طوال أكثر من عقد، من عدم الاستقرار.
جامعة الدول العربية حاصل جمع القوى الفردية والإرادة العربية، لكن الأمر يتطلب بالفعل تحركا أكثر تنسيقا وإدراكا لمصالح عربية وإقليمية يمكن حمايتها دون انتظار لتدخلات أو تنسيقات خارجية. وخلال السنوات الأخيرة، تسعى الدول العربية إلى بناء مواقف تكون قادرة على التعامل مع متغيرات وتحولات متسارعة، وتغييرات فى موازين القوة والنفوذ والعالمى، فلم تعد موازين القوة فى النظام العالمى هى نفسها قبل ربع قرن، ظهرت قوى ودول احتلت مكانا اقتصاديا وسياسيا مكنها من ممارسة التأثير بشكل أقوى، وهو ما عكسته القمة العربية الصينية أو المواقف العربية تجاه الأزمات والصراعات، حيث تحرص الدول العربية على مواقف تضمن مصالحها، دون أن تنحاز إلى استقطابات قد تضاعف من تعقيد الأزمات.
هناك اتفاق بين الدول العربية، أن الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ، وأن قدرات الدول العربية الذاتية بالتعاون مع شركائها، كفيلة بمواجهة أى مخاطر تحيق بالعالم العربى، مع ضرورة ألا تكون المنطقة العربية مجالا للصراعات والتدخلات الخارجية، وأن هذا الوضع هو ما تسبب فى الكثير من المشكلات والاضطرابات التى تعانى منها المنطقة.
فى يوليو من العام الماضى، وفى جدة أيضا، أكد الرئيس السيسى «أن الوقت حان لوضع نهاية للصراعات المزمنة والحروب الأهلية طويلة الأمد، والتى أرهقت شعوب المنطقة واستنفدت مواردها وثرواتها». وفى كلمته بالقمة الـ32، جدد الرئيس السيسى تأكيده أن منطقتنا، مرت خلال السنوات الأخيرة، بظروف استثنائية قاسية هددت على نحو غير مسبوق، أمن وسلامة شعوبنا العربية وأثارت فى نفوس ملايين العرب، القلق الشديد، على الحاضر.. ومن المستقبل.. وتأكد لكل ذى بصيرة، أن الحفاظ على الدولة الوطنية، ودعم مؤسساتها، فرض عين وضـرورة حياة، لمستقبل الشعوب ومقدراتها، ولا يستقيم أن تظل آمال شعوبنا، رهينة للفوضى، والتدخلات الخارجية، التى تفاقم من الاضطرابات، وتصيب جهود تسوية الأزمات بالجمود».
القمة الـ32 تشهد عودة سوريا بكامل عضويتها فى جامعة الدول العربية، بعد سنوات من الانقطاع، شهدت فيها سوريا ودول عربية تهديدات وصراعات أنتجت تحولًا فى كل العناصر السياسية، وبالتالى فإن العودة السورية التى تمت بمساع ومشاورات عربية انتهت إلى هذه النتيجة، التى قد تمثل بداية لدعم تسوية للأزمة السورية، وإنهاء معاناة الشعب السورى ووضع حد للتدخلات الخارجية والميليشيات حتى يستعيد الشعب السورى أمنه واستقراره وسلامته نحو تحقيق مستقبل أفضل، وفى كلمته أمام قمة جدة اعتبر الرئيس السيسى، أن عودة سوريا للجامعة العربية بمثابة التفعيل العملى للدور العربى، وبدء مسيرة عربية لتسوية الأزمة السورية، استنادا إلى المرجعيات الدولية للحل، وفى كلمته أمام القمة، قال الرئيس السورى بشار الأسد «أتمنى أن تشكل القمة بداية مرحلة جديدة للعمل العربى للتضامن فيما بيننا لتحقيق السلام فى منطقتنا والتنمية والازدهار بدلا من الحرب والدمار».
وفيما يتعلق بسوريا أو ليبيا أو اليمن، وأخيرا السودان الذى يواجه أزمة جديدة تنذر، إذا لم نتعاون فى احتوائها، بصراع طويل، وتبعات كارثية، على السودان والمنطقة، كما أكد الرئيس السيسى، بكلمته، أن الأزمات فى ليبيا واليمن، تفرض تفعيل التحرك العربى المشترك، لتسوية تلك القضايا، على نحو أكثر إلحاحا من أى وقت مضى.
من واقع الكلمات والمشاركات بالقمة العربية هناك سعى عربى لبناء موقف إقليمى ينطلق من الفعل، ويضع فى اعتباره حق الشعب العربى فى الأمن والتنمية، من خلال نزع فتائل الصراع، ودعم مسارات سياسية لا تنتظر تدخلات أو مواقف خارجية.