عزفت فرقة موسيقى الحرس الجمهورى النشيد الوطنى فى وداع رئيس وزراء الهند «نهرو»، يوم 20 مايو «مثل هذا اليوم» عام 1960، بعد انتهاء زيارته لمصر، ووفقا لجريدة الأخبار فى مثل اليوم 20 مايو: «أصدر الرئيس جمال عبدالناصر، قرارا جمهوريا بالسلام الوطنى الجديد وسيعزف رسميا ابتداء من اليوم»، السلام هو موسيقى نشيد «والله زمان يا سلاحى/اشتقت لك فى كفاحى»، تلحين كمال الطويل، وفى 22 مايو نشرت «الأهرام»: «السلام الجمهورى الجديد يعزف لأول مرة رسميا لنهرو».
حمل الطريق لاختيار هذا النشيد سلاما وطنيا أسرارا كثيرة منذ أن كتبه صلاح جاهين، ولحنه كمال الطويل وقدمته سيدة الغناء العربى أم كلثوم، أثناء العدوان الثلاثى ضد مصر «بريطانيا وفرنسا وإسرائيل»، وبدأت غاراته يوم 29 أكتوبر 1956، وروى لى كمال الطويل قصته فى شهادته التى ضمنتها فى كتابى «أم كلثوم وحكام مصر».
كان لقائى به بمسكنه بالزمالك عام 1997، يحكى: «كان العدوان الثلاثى يواصل هجماته البربرية، والنار تشتعل بداخلى، أخى فى الجبهة يحارب، وأنا أجلس فى بيتى، اتصلت بصلاح جاهين الذى أعتبره «جبرتى الثورة»، قلت له: يا صلاح أنا فى دماغى مزيكا هأقول لك شكلها، كانت مزيكا شكلها حماسى، رد «صلاح»: «اقفل التليفون يا كمال»، وبعد فترة قليلة اتصل بى: اسمع يا كمال: «والله زمان ياسلاحى / اشتقت لك فى كفاحى / انطق وقول أنا صاحى / يا حرب والله زمان».
يضيف «الطويل»: «اتصلت بى أم كلثوم، كان حالها زى حالى..سألتنى: إنت بتعمل إيه؟ قرأت لها كلمات جاهين، فطلبت منى الذهاب إلى فيلتها بالزمالك فورا، وهناك وجدت عازف الكمان أحمد الحفناوى، وعازف القانون عبده صالح، وعازف الإيقاع إبراهيم عفيفى، أذكر وقتها أن صافرات الإنذارا دوت منذرة بغارة جوية، وجلسنا جميعا على ضوء الشموع فى الدور العلوى، فوجئت بها تخرج إلى البلكونة، جريت وراها، قلت لها: «أدخلى يا ست بدل ما شظية تصيبك»، ردت: «شظية إيه يا كمال؟ ده أنا نفسى أمسك طيارتهم أفعصها بصوابعى».
يذكر صلاح جاهين القصة بتفاصيل أخرى لمجلة الكواكب «17 مايو 1960»، قائلا: «فى الأيام الأولى للعدوان الإجرامى، أحسست بغليان يصهر نفسى، ثم تحول هذا الغليان إلى بخار زفرته، فكان مطلع نشيد حماسى، حملته إلى كمال الطويل، ولكن كمال بعد أن قرأه، هز كتفه وقال لى: «لا يا صلاح، أنا عايز كلمات تتفق مع اللحن اللى عملته امبارح»، ثم قام إلى البيانو واسمعنى لحنا أحسست أنه معركة عنيفة، واتفقنا على مضمون الكلمات، وجلست أكتب المطلع، ولكنى فوجئت باستدعائى لتغيير غلاف المجلة بآخر يتناسب مع الأحداث الجارية، فأسرعت إلى المجلة، وغيرت الغلاف، وتركت وضع الألوان لأحد الزملاء، وعدت مسرعا إلى كمال، ومعى مطلع النشيد، فلما قرأته عليه تناوله منى وأسرع إلى التليفون، وسمعته يتحدث إلى سيدة، وفهمت من الحديث أنه يكلم أم كلثوم، فذهلت، واشتدت دهشتى عندما علمت أن الفنانة الكبيرة أعجبت بالمطلع، إذا لم أكن أتصور أن هذه السيدة الذواقة للأدب والفن سترضى عن كلماتى وستغنيها».
يضيف «جاهين»: «فى الجو الرهيب القاتم الذى كانت تعيش فيه القاهرة، بين الظلام، ودوى القنابل والمدافع، أتممت كلمات النشيد، وتوليت قراءته للسيدة أم كلثوم، وفى نفس هذا الجو لحن كمال النشيد، كان يأخذ ما أنظمه أولا بأول، ليلحنه أولا بأول، وفرغنا من مهمتنا فى الحادية عشرة مساء، وفى اليوم التالى قمنا كلنا، أم كلثوم وكمال وسيد إسماعيل وأنا بغناء النشيد، وكانت أم كلثوم برغم دوى القنابل شجاعة جدا ومرحة جدا، بل كانت هى التى تخفف عنا رهبة الموقف، وعندما أذيع لأول مرة أحسست بأننى فعلت شيئا، وأننى اشتركت فى المعركة، ولكنى لم أجرح فيها».
«غنت أم كلثوم النشيد بإحساس فاق تخيلى»، هكذا أكد «الطويل» لى، مضيفا: «طلبوا منا التسجيل فى استديو مصر، لأن الإذاعة مستهدفة، لكن أم كلثوم رفضت بحسم قائلة: «أموت فى الإذاعة أحسن ما حد يقول إن أم كلثوم هربت»، يضيف الطويل: «كان اللحن نوعية جديدة أقدمها كملحن شاب 33سنة، تخيلت أم كلثوم وهى تعبر عن الجندى المصرى، والمفروض أن الإيقاع المناسب هو «2/4» المعبر عن الحماس أثناء نقل الجنود لخطواتهم، غير أنى وضعت اللحن بإيقاع ثلاثى، لدرجة أخافت أم كلثوم فى البداية وسألتنى: أنا أعرف أقول ده يا كمال؟ قلت: تقولى طبعا يا ست، وبعد انتهاء التسجيل لا أنسى تعليقها: «أنت أرهقتنى قوى يا كمال».
اختير «والله زمان ياسلاحى» سلاما وطنيا، بإعلان فى الأخبار يوم 17 نوفمبر 1958 عن مسابقة لتأليف موسيقى للسلام الوطنى الجمهورى، حسبما يذكر الدكتور محمد رفعت عبدالعزيز فى كتابه «النشيد الوطنى المصر - دراسة تاريخية»، مؤكدا أنه تقدم للمسابقة 170 مقطوعة، وفى النهاية اختارت لجنة التحكيم «والله زمان يا سلاحى»، وأعلنت الأخبار الخبر يوم 6 مايو 1960.