عملت القيادة السياسية على وضع مخطط تنموى متكامل لتطوير العشوائيات، وتحسين المرافق وتوفير الخدمات، وزيادة الرقعة العمرانية، وإيجاد فرص عمل جديدة، وتوفير الاحتياجات والأنشطة الأساسية للمواطنين، بتطوير المناطق العشوائية غير المخططة بمشروعات سكنية هائلة أهمها المدن الجديدة أو مدن الجيل الرابع، وبناء مساكن مؤهلة لسكانها، أو نقل السكان فى المناطق غير الآمنة إلى مساكن بديلة آمنة تحترم آدميتهم، وفق أحدث الطرز المعمارية.
وتمثلت أهم مشاريع تطوير العشوائيات بمحافظة الجيزة، والتى عكست مدى حرص الدولة على تحسين المستوى المعيشى لمواطنيها بتلك المناطق وتحقيق التنمية المستدامة بما يضمن مستقبل اجتماعى أفضل لأبنائهم، تطوير منطقة "روضة السودان" عشش شارع السودان "السكة الحديد" بالدقى سابقا، والتى كانت تعد إحدى المناطق العشوائية الخطيرة غير الآمنة، التى عانت لسنوات طويلة من الزحف العمرانى غير المخطط والنمو العشوائى الذى عكس بدوره صورة مشوهة غير حضارية للجيزة، على مساحة 2.74 فدان، بمعدل 227 وحدة غير آمنة من إجمالى 252 وحدة سكنية.
كان تطوير منطقة عشش السودان حلما طال انتظاره لما يقرب من 859 مواطنا يمثلون 212 أسرة، عاشوا لعقود طويلة فى بيئة غير آدمية ومظلمة، تنتشر فيها مئات العشش والمبانى الهشة فى بؤرة من القمامة والأوبئة، التى تهدد حياتهم وأبنائهم وتسلبهم حق العيش الكريم، حتى طالتها يد التطوير فى عام 2012 بخطة تنموية حضارية، استهدفت بناء مجتمع عمرانى حضارى حديث، يضمن لمواطنيها العيش الكريم فى بيئة آمنة وحياة أفضل، وذلك بتمويل من صندوق تطوير العشوائيات التابع لوزارة الإسكان، فى ضوء تنفيذ مخططات تطوير المناطق غير الآمنة مع توفير سكن بديل لقاطنيها وإتاحة حياة كريمة للمواطنين.
"انفراد" رصد فى جولة ميدانية بروضة شارع السودان، آخر ما وصلت إليه المنطقة بعد الانتهاء من أعمال المرحلة الرابعة والأخيرة من المشروع، حيث جرى العمل بالمشروع، على أربع مراحل، شهدت خلالها المرحلة الأولى إقامة 3 عمارات تتكون من أرضى و5 أدوار، بإجمالى 40 وحدة سكنية، يبلغ مسطح الشقة الواحدة 62 م2، فى المنطقة المحصورة بين كوبرى هيمفرس وموقف أتوبيس شارع السودان، بتكلفة 7.5 مليون جنيه فى عام 2013، وجرى تسليم المرحلة الثانية من مساكن العشش، بإجمالى 60 وحدة سكنية حضارية كاملة التشطيب لقاطنى المنطقة، بتكلفة بلغت 7 ملايين جنيه أواخر عام 2015، فيما ضمت المرحلة الثالثة التى جرى تسليمها للمستحقين من السكان الأصليين الذين تم حصرهم عند بداية العمل بالمشروع، عمارتين تستوعبان 45 وحدة سكنية، أواخر عام 2016، حيث تم الانتهاء من تسكين 228 أسرة بوحدات حضارية كاملة التشطيب على أربع مراحل، انطلاقا من توجيهات اللواء أحمد راشد محافظ الجيزة.
وقالت "أم أحمد"، إحدى المواطنات بالمنطقة، لـ"انفراد"، إنها تقطن بالمنطقة منذ أكثر من أربعين عاما، عاصرت خلالهم النقلة النوعية التى شهدتها المنطقة بعد أن كانت عبارة عن عشش هشة مصنوعة من الخوص ومبان من طابق واحد مصنوعة من الطين، وكانت حياتهم بدائية تماما خالية من كافة مظاهر الآدمية، حيث كانت وأسرتها المكونة من 4 أفراد يعيشون فى غرفة واحدة، يتشاركون نفس الحمام مع غيرهم من الأسر الأخرى، والتى كان يفوق عددها الـ6 أفراد فى الغرفة الواحدة، يذهبون يوميا للمساجد والمرافق العامة القريبة منهم لملئ ما يحتاجونه من مياه فى جراكن وعبوات فارغة، مشيرة إلى أن حياتهم تغيرت تماما بعد تطوير المنطقة واستبدال العشش بعمارات سكنية مجهزة وكاملة التشطيب، حيث استلمت وأطفالها الأربعة وحدة سكنية مفروشة وكاملة التشطيب ضمن أعمال المرحلة الرابعة والأخيرة من المشروع، مطالبة بإقامة ندوات توعية وتثقيف للأهالى، ترتقى بحياتهم اجتماعيا وثقافيا وفكريا وتستهدف توجيههم نحو الحفاظ على المرافق الجديدة وتلافى السلوكيات الخاطئة حتى تتحقق أهداف التنمية الشاملة بتغيير حياة الأهالى إلى الأفضل بكل المقاييس.
وأشارت رقية مصطفى أحمد، 27 عاما، أم لثلاثة أطفال، إنها تقطن بالمنطقة منذ أكثر من عشرين عاما، كانت تعيش مع أطفالها الثلاثة قبل أعمال التطوير فى بيت مكون من غرفة وحمام ومطبخ، مشيرة إلى أن منطقة عشش السودان كانت قديما مقسمة لجزء يسكن أهله فى بيوت مصنوعة من الطوب والطين والجزء الآخر من عشش هشة، مشيرة إلى أنها وأسرتها استلمت وحدة سكنية بالمرحلة الثانية من المشروع بينما استلمت والدتها وحدة سكنية كاملة التشطيب بالمرحلة الرابعة من المشروع.
وقال أيمن عطية، أب لثلاثة أبناء وأربع بنات، إنه عاش فى "روضة السودان" منذ أن كان فى الثالثة من عمره، "كنا عايشين 11 فرد فى بيت من دور واحد، مكنش عندنا لا مياه ولا كهرباء، عدى علينا فترة طويلة كنا بنروح يوميا للجراجات فى شارع السودان نعبى مايه ونرجع، لحد ما اتكسرت ماسورة مياه فى المنطقة وبقت هى مصدرنا الأساسى فى المياه، وبعد التطوير العيشة بقت حلوة وآدمية بس نفسى ابنى يحصل على شقة فى المنطقة عشان فرحتى تكمل"، مشيرا إلى أن بعد أعمال التطوير استلم وأسرته وحدة سكنية ضمن أعمال المرحلة الثانية من المشروع، متمنيا أن يحظى نجله على وحدة سكنية ضمن عمارات المرحلة الرابعة من المشروع توفر عليه ما يتكبده من مصاريف إيجار شهرية بإحدى العقارات الكامنة فى حى الدقى.
وقالت قدرية على لبيب، 60 عاما، إنها عاشت بمنطقة "روضة السودان"، منذ أن كانت فى الـ12 من عمرها، عاشت شبابها وعمرها كله فى المكان، وتزوجت وأنجبت أبنائها الثلاثة، مشيرة إلى أنها وأبنائها كانوا يعيشون كل واحد منهم فى غرفة منفصلة "عشة"، حتى تم هدم مساكنهم القديمة لبدء أعمال التطوير، واستلمت وحدة سكنية بديلة ضمن أعمال المرحلة الثانية من المشروع تقطن فيها مع ابنتها الأرملة وأطفالها، بينما استأجر أبنائها الصبية وحدات سكنية خارج المنطقة لحين حصولهم على وحدات سكنية ضمن أعمال المرحلة الرابعة من المشروع، مشيرة إلى أن حياتهم تغيرت تماما بعد التطوير، فبعد أن كانوا يعيشون فى بيئة غير آمنة مليئة بالقوارض والثعابين التى تهدد حياتهم من حين لآخر، أصبحوا يعيشون فى وحدات سكنية آدمية، مطالبة بتوفير وحدة سكنية لنجلها الأكبر وأطفاله.
واستكمالا لما بدأته محافظة الجيزة فى نقل قاطنى المناطق غير الآمنة بوحدات حضارية بديلة، شهدت المرحلة الرابعة والأخيرة من المشروع، تسكين 83 أسرة من قاطنى عشش السودان غير الآمنة بوحدات حضارية كاملة التشطيبات ومجهزة بالأثاث والاحتياجات الأساسية بروضة السودان، وإنشاء المبنى الخدمى الذى يضم العديد من الخدمات لأهالى المنطقة، بالتعاون مع وزارة التضامن الإجتماعى لتسهيل سبل المعيشة على المواطنين، وذلك وفق حصر دقيق سبق إعداده ميدانياً للسكان الأصليين بالعشش من خلال لجان مشكلة من الأجهزة المختصة بالمحافظة.
وكان اللواء أحمد راشد محافظ الجيزة، قد أكد على أن الدولة المصرية حققت إنجازات غير مسبوقة فى مجال الإسكان بديل المناطق العشوائية وغير المخططة، لتنهى بذلك عقودا طويلة من تلك الظاهرة وما كانت تتسبب فيه من مشكلات فى البنى التحتية والخدمات، قبل أن تمتد إليها يد التطوير الشامل منذ قيام ثورة 30 يونيو المجيدة، التى وضعت بناء الإنسان وتوفير سكن كريم له على قائمة أولوياتها ضمن رؤية التنمية المستدامة، مشيرا إلى أنه تم الانتهاء من تطوير منطقة عزبة حرب ببولاق الدكرور وتسكين قاطنيها بمساكن حضارية بديلة بتكلفة تصل إلى 43 مليون جنيه.
وأشار إلى أنه يجرى تنفيذ التوجهات العامة للدولة والتكليفات الرئاسية بالاستمرار فى جهود تطوير كافة المناطق العشوائية، وغير المخططة من كافة الجوانب وكذلك الوقوف على حجم الجهود المطلوبة لتغيير واقع تلك المناطق على نحو يرتقى بالأحوال المعيشية اليومية للمواطنين بها وتوفير سُبل الحياة الكريمة للأسر القاطنة داخلها، فضلا عن ربطها بشبكة الطرق الجديدة بالمناطق المحيطة بها وتوفير مختلف الخدمات الأساسية لها.