سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 25 مايو 1907..الخديو عباس الثانى مشتت الأفكار وكثير الصمت لتهديده من شخص استأجره سرا ليهاجم اللورد كرومر فى الصحف الإنجليزية

لاحظ المحيطون بالخديو عباس حلمى الثانى، الذى حكم مصر من 8 يناير 1892 إلى 19 ديسمبر 1914، أن حالته ليست طبيعية، حيث أصبح كثير الصخب، يتكدر ويسخط لأقل شىء، مشتت الأفكار، يصمت كثيرا، فسادت حالة من الفزع بسبب ذلك، حسب أحمد شفيق باشا رئيس ديوان الخديو فى الجزء الثانى من مذكراته، مضيفا: «راعتنا هذه الحالة التى لا نعلم لها سببا »، ويشير إلى أنهم تعجبوا منها لأن الأمور كانت تسير فى هدوء فى ظل العهد الجديد، الذى بدأ بقرار الحكومة الإنجليزية بإعفاء اللورد كرومر من مهام منصبه كمندوب لها فى مصر بسبب دوره فى حادثة قرية دنشواى «13 يونيو 1906 »، وتعيين اللورد جورست بدلا منه، غير أنه تبين فيما بعد أن كرومر هو أحد أسباب حالة «عباس الثانى» السيئة، فكيف حدث ذلك؟ كانت العلاقة بين عباس الثانى وهو يجلس على العرش، وبين كرومر الذى كان صاحب الكلمة الفصل فى مصر، تشهد حالة يغلب عليها التوتر فى معظم الأوقات، ويكشف «عباس» جانبا من أسرارها فى مذكراته «عهدى»، قائلا: «كان يحاول دائما أن يهيننى ويقلل من شأنى، وكان كل مرة يأتى لرؤيتى، ويكون فيها غير منشرح السريرة يحاول أن يجرحنى، مدعيا أن الشعب المصرى كان يرغب فى أن يثور ضد الأسرة الحاكمة، وأن الإنجليز كانوا قد حضروا من أجل حمايتها، وإعادة النظام». يضيف عباس: «كان كرومر يقول لى لا تنس أن الحركة العرابية «ثورة عرابى» موجودة دائما، وأننى إذا ما رفعت إصبعى الصغير، فإنه يمكنها أن تظهر من جديد، وأن تطيح بالأسرة «أسرة محمد على» خارج البلاد »، وحينما كان يحدثنى بهذه الطريقة، لم أكن أرد عليه أبدا، إذ إننى كنت لا أرغب فى نشوء أزمة يمكنه أن يستغلها ضدى». هكذا يتحدث عباس الثانى صراحة عن حالة الاستعلاء والاحتقار من «كرومر » إليه، مما دفعه إلى تدبير الأمر الذى انتهى إلى الحالة البائسة التى عاشها، وظلت مجهولة السبب لا يعرف حقيقتها رجال الحاشية حتى عرف «شفيق باشا» كل شىء عنها فى 25 مايو، مثل هذا اليوم، 1907. يقول «شفيق باشا »: إنه قابل بطرس باشا غالى وعرض عليه حالة الخديو ليعرف حقيقة الأمر، فأفضى بطرس باشا بالسر، قائلا: «توجد شائعة بأن الخديو كان يكلف أحد الإنجليز بالكتابة فى صحف إنجلترا ضد كرومر، وأن هذا الرجل، نظرا لوجود مكاتبات لديه من الخديو، يطلب مبلغا عظيما هو مائة ألف جنيه، وإلا فإنه يفضح الأمر، وهذا ما يخشى الخديو حدوثه من وقت لآخر». كما ذكر بطرس باشا سببا آخر لسوء حالة الخديو عباس، وهو أنه متكدر من السلطان العثمانى لأنه رغب فى أن يشترى أرضا واسعة فى «الضمان» بتركيا، فيها غابات يمتلكها رجل اسمه شريف أفندى من أزمير بمبلغ 12 ألف جنيه، وقد أراد سموه أن يكون البيع باسم «أحمد أغا الكريدلى»، فلما علم السلطان بذلك، حال دون إتمام الصفقة، فتأثر الخديو جد التأثر، ولكن انتهى الأمر بشراء عباس هذه الأرض. يكشف «شفيق باشا» فى مذكراته بالتفصيل قصة استئجار «عباس الثانى» للشخص الذى يهاجم كرومر فى الصحافة الإنجليزية، وفيها سنعرف أن الموضوع لم يكن يقتصر على تأجير شخص واحد فقط لهذه المهمة، وإنما كان هناك قاض إنجليزى يعمل فى المحاكم الأهلية وأرغم على الاستقالة، وكان يقوم بهذا الدور ويتقاضى 120 جنيها كل ثلاثة أشهر، وكان شفيق هو الذى يعطيه هذا الراتب. أما الشخص الذى تم استئجاره ثم هدد، فكان اسمه «اسطفان بك»، وهو أرمنى يعمل فى بيع وشراء الأراضى، وحضر إلى مصر وطلب من الحكومة أراضى بجهة النوبارية، لكن لم يحصل عليها، ولما ذهب الشيخ على يوسف «صاحب جريدة المؤيد» وصديق الخديو إلى لندن قابله، واتفق معه على مساعدة مالية نظير قيامه بالكتابة فى الجرائد الإنجليزية ضد كرومر، واستمر الرجل فى مهمته حتى كشف كرومر حقيقته قبل إعفائه كمندوب لبريطانيا فى مصر، وعلم أن بيده خطابات من الخديو والشيخ على يوسف حول مهمته، وأنه تم إرسال ألفين جنيه له نظير ذلك. طلب كرومر من «اسطفان بك » هذه الخطابات مقابل أن يعطيه الأرض، التى طلبها من قبل لكنه رفض، ثم تدخل الوسطاء بينه وبين الخديو، فاشترط الرجل الحصول على مائة ألف جنيه، وجرت محاولات لتخفيض المبلغ إلى خمسين ألف جنيه، رفضها فى البداية، ثم انتهت القصة بحصوله على مبلغ من «الخاصة».



الاكثر مشاهده

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

جامعة القاهرة تنظم محاضرة تذكارية للشيخ العيسى حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"

;