قال الناقد صلاح فضل إن إنشاء الدار المصرية اللبنانية لنادى الكتاب الذى يعقد ندوته كل شهر، يعد إضافة حقيقية لقلب القاهرة ولعقلها ولوجدنها، ويعزز هذا الدور القيادى مشروع الدار لنشر كلاسيكيات الأدب المصرى ومنه مشروع إعادة نشر أعمال الكاتب الحقيقى إحسان عبد القدوس عملاً عظيماً، الذى نحتفل اليوم بإطلاق كتابه "أنا حرة".
وأوضح فضل، على خلال احتفالية "المصرية اللبنانية" بإطلاق النادى والرواية، أن إحسان عبد القدوس لم يكن على الإطلاق مجهولا من القراء، فهو من أكثر الأدباء الذين اسهموا فى تأسيس فن الرواية فى الأدب العربى، بالإضافة إلى دوره التثقيفى الذى امتد عبر تحويل أعماله الروائية إلى أفلام سينمائية، مؤكدا أن "إحسان" كان من أكثر الروائيين تعبيرا عن المرحلة التى عاشها وكانت كتاباته دافعا لعجلة التطور الحقيقى، عن طريق سلاحين جوهريين هما السياسية ثم الأدب.
وسرد صلاح فضل قصة لقائه بالكاتب الكبير إحسان عبد القدوس فى المكسيك حيث قال إن سفير مصر فى المكسيك دعاه ذات يوم إلى لقاء شخصية مصرية مهمة، وحينما ذهب إليه فوجئ بوجود إحسان عبد القدوس، فدار بينهما حوار اتهم فيه فضل "عبد القدوس" بأنه ارتكب جريمتين فى حق الثقافة العربية، الأولى هى أنه مع غيره من الصحفيين أسسوا للحكم الاستبدادى بمدح جمال عبد الناصر وتحويله إلى ديكتاتور حقيقى، وهو ذات الأمر الذى الذى يفعله "عبد القدوس مع السادات أما الجريمة الثانية فهى إفساد بنات مصر برواياته الجريئة، فقال فضل إن عبد القدوس دافع عن نفسه دفاعا كبيرا، مؤكدا أنه لم يكن على وفاق دائم مع السلطة وأنه كان بالفعل صديقا لعبد الناصر وكان يناديه بـ"جيمى” لكن هذا لم يمنع عبد الناصر من إلقائه فى السجن وحينما خرجت من السجن – والكلام على لسان إحسان برواية فضل - فوجئت بتليفونى يرن فإذا بالمتحدث هو عبد الناصر فقال لى أزيك يا إحسان فقلت له أهلا سيادة الرئيس، فقال لى: مكنتش أعرف أنك خرع كدة من يومين حبس تقولى سيادة الرئيس؟
أما الجريمة الثانية المتعلقة بإفساد بنات مصر فكان دفاع عبد القدوس عن نفسه فيها هو أنه يسرد ما بالواقع ولا يختلق الأحداث، فقال فضل: وقتها قلت له إن الواقع يتكون من الأسرة التى تتكون من الأب والأم والأخ والعمة والخالة والعم والخال فلماذا تترك كل هؤلاء وتكتب عن مراهقات العائلة فقط، فقال إحسان إن المرأة أساس كل شىء، وهو ما أدركته لاحقا أن تحرير المرأة هو تحرير التحرير الحقيقى للمجتمع، مضيفا أن إحسان كان فى جيلنا كاتب الشباب والشجاعة والجرأة والقوة بالدرجة الأولى كما نعلم جمعيا فهو الصوت الثانى بعد قاسم أمين، وأول من تحدث باسم المرأة فى الرواية كان أحسان عبد القدوس فى روايته "أنا حرة" ولم يكن يوازيه فى هذا إلا نزار قبانى فى الشعر.
قال الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، إن نجيب محفوظ كان رجعيا فى تعامله مع أدب "إحسان عبد القدوس" حيث أشترك هو والمخرج صلاح أبو سيف وكاتب الحوار "السيد بدير" فى تحريف قصة إحسان عبد القدوس التحررية، فغيروا فى البداية زمن الرواية التى كانت تدور أحداثها بعد ثورة يوليو فجعلوها تدور قبل ثورة يوليو، كما غيروا فى القصة ذاتها بأن جعلوا الفتاة "أمينة" وحبيبها يشتركان فى تنظيم سياسى مناهض للحكم الملكى وهو ما لم يحدث فى الرواية، ثم غيروا من خاتمة الفيلم ففى الوقت الذى تقيم فيه البطلة علاقة "متكاملة" خارج إطار الزواج لمدة ثمانى سنوات مع البطل ولا يتم الإشارة فى النهاية إلى نيتهما الزواج قام محفوظ وبدير وأبو سيف بجعلهما يتفقا على الزواج وهما فى السجن وهذا يؤكد أنهم تعاملوا مع الرواية التحريرية برجعية كبيرة، كما يؤكد أن إحسان عبد القدوس كان الكاتب المسئول فى المجتمع، يستطيع أن ينطق ما لا ينطقه سواه.
وأكد جابر عصفور فى كلمته باحتفالية الدار المصرية اللبنانية بإطلاق نادى كتاب الدار أننا ما زلنا رجعيين فى التعامل مع أدب إحسان عبد القدوس حتى الآن وقال لو افترضت أن هناك شابا الآن اسمه إحسان عبد القدوس قدم هذه الرواية إلى الناشر فإنه فى الغالب سيرفض نشرها لمضمونها الجرئ والصادم، وأضاف عصفور،أن الرواية تدور حول فتاة أسمهما أمينة وهذا مقصود عند إحسان عبد القدوس لتكون نقيضه لـ أمينة نجيب محفوظ، موضحا أن أمينة تتمرد على الأسرة وتثبت لنفسها وللآخرين بأن الحرية مسئولية والحرية هى الحب.
وأشار جابر عصفور إلى أن الرواية تسلط الضوء على أن الفتاة عندما تحب تترك كل حريتها للرجل الذى تحبه، موضحا أنها تقع فى حب عباس ويعيشان حياة زوجية لمدة ثمانية سنوات دون ارتباط رسمى، أو ما تتوافق عليه المجموعة الاجتماعية المحيطة بهما، ولن تطلب منه أن يكون زوج لها ولم يطلب هو منها أن تكون زوجة له، مضيفا أن السطور الأخيرة من الرواية، تؤكد أن أمينة لم تتزوج عباس، وقد تتزوجه بعد يومين أو بعد ثلاثة ولكن هذه المسألة متروكة لها لأنها حرة.
وفى السياق ذاته، أكد جابر عصفور أن إحسان ركز على الوضع الاجتماعى وثورته على العادات والتقاليد، موضحا أن أمينة تتفوق فى الثانوية العامة وتختار أن تدرس بالجامعة الأمريكية لأنها بيئة حرة، أكثر حرية نسبياً من الجامعة المصرية.
ومن جانبه، قال الكاتب منير عامر، إن الناقد صلاح فضل والدكتور جابر عصفور غفل عليهم أن أمينة إحسان عبد القدوس 1954 سبقت أمينة نجيب محفوظ 1956، موضحا أن الرواية تناقش حرية الرجل قبل المرأة.
وفى السياق ذاته، قال أحمد إحسان عبد القدوس، إن وزير الثقافة حلمى النمنم تلقى منه مكالمة هاتفية تؤكد أن رواية "أنا حرة" المتواجدة بالسوق لم تكن كتابة والدك، موضحا أن الوزير لدية نسخة قديمة مختلفة عن النسخة الحديثة المتواجدة بالأسواق، مشيراً إلى أن هناك تزوير فى الرواية لم تكن فى فصلة بل كان فى سياق القصة، موضحا أنه بادر مع دار المصرية اللبنانية فى نشر القصة الأصلية.
وقال الناشر محمد رشاد صاحب الدار المصرية اللبنانية، نحن نحتفل ببدء نشر 68 كتاباً وهى مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية والسياسية الكامة للكاتب الروائى إحسان عبد القدوس، وجاء ذلك فى حفل توقيع ومناقشة رواية " أنا حرة" مساء أمس.
وأضاف محمد رشاد أن بدء تأسيس نادى كتاب الدار المصرية اللبنانية، جاء ذلك إيمانا بارتباط القارئ بدار النشر التى يتعامل مع كتبها ويستهلكها، موضحا أن هناك هادفين من ذلك العمل نشر ثقافة القراءة فى مصر، وإتاحة الفرصة للحوار الخلاق والنقاش الجاد المثمر المفتوح بين الكتاب و القراء.
بينما قالت الفنانة نبيلة عبيد، إن إحسان عبد القدوس يمثل أهمية كبيرة لكل القراء بصفة عامة وبالنسبة لها بصفة خاصة، مؤكدة أنه كان يختار لها الروايات المناسبة والتى تبرز قدرتها كممثلة.
وأضافت نبيلة عبيد إن أنجح الروايات التى قامت بتمثيلها كانت لإحسان عبد القدوس، مشيرة إلى أنها كانت تشترى رواياته وتعطيها للمنتجين ليتم تحويلها لأفلام.. وتابعت نبيلة عبيد: "لا تمر مناسبة لإحسان عبد القدوس دون أن أحضرها، وذلك لأنه صاحب فضل على".
وقال الفنان سمير صبرى، إن قصص إحسان عبد القدوس كانت فيلما سواء المنشورة فى روزا اليوسف أو مجلة صباح الخير، مضيفا أن القراء كانوا يتسابقون لحجز نسخة الجرائد التى تحتوى على هذه القصص لقراءتها، مشيرة إلى أن أول عمل أدبى تحول لفيلم سينمائى كان فيلم الله معنا، الذى كان يناقش قضية الأسلحة الفاسدة.
وأضح سمير صبرى، أن سينما إحسان عبد القدوس سبقت سينما نجيب محفوظ بالتواريخ، موضحا أن أى منتج كان يبغى المكسب كان يلجأ للقص والأعمال الروائية والأدبية لإحسان عبد القدوس.
وتابع الفنان سمير صبرى أن فيلم أنت عمرى صنع من الفنانة ماجدة الصباحى نجمة تنافس الفنانة فاتن حمامة، مثلما صنع فيلم ما زال التحقيق مستمر الفنانة نبيلة عبيد.