سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 30 مايو 1954.. وفاة المفكر أحمد أمين الذى سماه أصدقاؤه «العدل» لكثرة ما كان يذكره فى كلامه

كان الوقت صباح 30 مايو، مثل هذا اليوم، 1954، حين توفى الكاتب والمفكر أحمد أمين فى بيته وعلى سريره، حسبما يذكر ابنه الدكتور جلال أمين فى كتابه «رحيق الحياة» وهو الكتاب الذى يعد استكمالا لسيرته الذاتية «ماذا علمتنى الحياة؟». كان جلال فى التاسعة عشر من عمره «مواليد 23 يناير 1935»، وقت وفاة والده الذى كان فى الثامنة والستين «مواليد أكتوبر 1886»، ويتذكر جلال لحظة الوفاة، قائلا: «مما أذكره أنه لم تنقض ساعة على وفاته حتى جاء إلى البيت صديقه وقريبه الدكتور أحمد زكى «العالم والأديب ومؤسس مجلة العربى الكويتية»، ولا أدرى كيف سمع بالخبر، وقال لنا إنه يريد فقط كرسيا ليجلس عليه فى شرفة الدور الأرضى، ويجب ألا يبالى أحد بوجوده، وظل جالسا وحده فى الشرفة ساعة أو ساعتين لا يكلم أحدا، ويستعيد بلا شك ذكرياته الكثيرة مع أبى، وعندما وقفنا أمام قبر أبى قبيل الدفن، وأولاده الموجودون بمصر والدكتور زكى، وأربعة أو خمسة من أصدقائه منهم الدكتور عبدالرازق السنهورى، لاحظت أن أخى أحمد كان أكثرنا تأثرا، وأجهش بالبكاء فجأة بصوت عال، مما جعل السنهورى يحتضنه للتخفيف عنه». كان أحمد أمين واحدا من الموسوعيين الكبار الذين أثروا فى حياة مصر الثقافية فى النصف الأول من القرن العشرين، وتجلت موسوعيته فى مؤلفاته التى تعد عمدة فى مجالها، وأشهرها فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام، يوم الإسلام، وقاموس العادات والتقاليد المصرية، وزعماء الإصلاح، وفيض الخاطر الذى يشمل 10 أجزاء تجمع مقالاته فى مجلتى الرسالة والثقافة التى أسسها ومجلات أخرى، النقد الأدبى، قصة الأدب فى العالم، قصة الفلسفة، والصعلكة والفتوة فى الإسلام، الشرق والغرب، إلى ولدى، المهدى والمهدوية، بالإضافة إلى تعاونه مع بعض المحققين فى إصدارات تراثية، مثل العقد الفريد، والإمتاع والمؤانسة، والبصائر والذخائر، والهوامل والشوامل، وخريدة القصر وجريدة العصر. سار هذا الإنتاج الفكرى بالتوازى مع وظائفه الرفيعة التى شغلها حتى كانت محطته فى كلية الآداب بالجامعة المصرية مدرسا فيها، ووفقا لسيرته «حياتى»: «دق جرس التليفون يوما بمنزلى فى مصر الجديدة وأنا قاض بمحكمة الأزبكية سنة 1926، وإذا بالمتكلم الدكتور طه حسين يطلب إلى مقابلته، وذهبت لمقابلته فإذا هو يعرض على أن أكون مدرسا بكلية الآداب، فترددت قليلا ثم قبلت»، يكشف أنه فى العام الثانى لتدريسه بالكلية خلع العمامة، وذهب إلى الخياط وفصل بدلتين واشترى طربوشا، وذهب فى افتتاح الدراسة مطربشا، ويعترف: «كنت أتعثر فى مشيتى فى الشارع وفى الكلية خجلا من الناس، ومنهم من يستحسن ومنهم من يستهجن». مضى فى صعوده بكلية الآداب، بترقيته من مدرس إلى أستاذ مساعد، ولأن درجة الأستاذية لا تمنح إلا للحاصلين على الدكتوراه، قدم طلبا لنيلها وقدم لذلك كتاب «فجر الإسلام» وكتاب «ضحى الإسلام» كرسالة للمناقشة، لكنه قوبل بالرفض بحجة أن الآساتذة بالكلية قد يجاملوه، فاقترح أن يكون الممتحنون من الآساتذة الأجانب المستشرقين، لكن وزير المعارف رفض، وبعد ذلك أرادوا منح غيره الأستاذية من غير دكتوراه، فطلب أن تؤلف لجنة لبحث مؤلفاته، فتشكلت لجنة قرأت كتابيه «فجر الإسلام» و«ضحى الإسلام»، وقررت اللجنة استحقاقه للأستاذية، وفى أول إبريل 1939 خلا مركز عميد كلية الآداب، فعينه محمود فهمى النقراشى باشا، بعد أن سبقه من المصريين الدكتور طه حسين والدكتور منصور فهمى والأستاذ شفيق بك غربال. شق أحمد أمين طريقه إلى عطائه الفكرى المتنوع بتأثير من والده الأزهرى، وفقا لما يذكره فى سيرته «حياتى»، موضحا أن والده كان مولعا بالكتب فى مختلف العلوم، فى الفقه والتفسير والحديث واللغة والتاريخ والأدب والنحو والصرف والبلاغة، وألحقه الوالد بمدرسة أم عباس الابتدائية، وظل بها إلى السنة الرابعة لينتقل إلى الأزهر وسنه 14 عاما، واستمع فيه إلى دروس الشيخ محمد عبده مرتين قبل مرضه وتأثر به أشد التأثر، ثم التحق عام 1907 بمدرسة القضاء الشرعى، وكان الغرض منها تخريج القضاة الشرعيين، وبعد تخرجه عين مدرسا فيها، ثم قاضيا، وأخيرا انتقل إلى كلية الآداب. كان أحمد أمين فى حياته «رجل مبادئ» بوصف ابنه جلال، مضيفا فى كتابه «رحيق العمر»: «كان رجلا نزيها وعادلا، ومستعد للتضحية بمصلحة خاصة له فى سبيل المصلحة العامة، أو فى سبيل ما يعتقد أنه العدل، وكانت كلمة العدل من أكثر الكلمات ترددا على لسانه، وذكرها طه حسين فى المقال الذى نشره فى رثاء أبى، حين قال: إن أصدقاءه كانوا يسمونه «العدل» لكثرة ما كان يذكره فى كلامه.



الاكثر مشاهده

علماء العالم الإسلامي يُرشحون مركز الحماية الفكرية لإعداد موسوعة عن "المؤتلف الفكري الإسلامي"

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

;