أحيط مسرح قصر الرياضة فى منطقة المنزة بتونس بـ«100 ألف وردة»، وفى الساعة التاسعة مساء 31 مايو، مثل هذا اليوم، 1968، رفع الستار عن سيدة الغناء العربى أم كلثوم، فاهتزت القاعة بتصفيق 5 آلاف جاءوا من كل مكان فى تونس والبلاد العربية، لحضور أول حفل لها فى تونس، ويتقدمهم الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة وزوجته السيدة وسيلة، بالإضافة إلى الوزراء والمسؤولين.
كانت أم كلثوم تواصل دورها من أجل المجهود الحربى، الذى بدأته بعد نكسة 5 يونيو 1967 بحفلات فى عدد من عواصم المحافظات المصرية، بالإضافة إلى حفلاتها الخارجية فى تونس والمغرب والكويت ولبنان وأبوظبى والسودان وليبيا وفرنسا.
كان الاهتمام التونسى بزيارتها عظيما، فعلى الصعيد الرسمى اتخذت نفس الطابع الذى يتم مع الملوك والرؤساء، ووفقا لبعثة مجلة آخر ساعة فى عدد 1754، 5 يونيو 1968، فإن جهود قوات الأمن التى احتشدت فى مطار تونس فشلت فى وقف تدفق الجمهور المنتظر وصولها، واختلط الرسميون والجنود وحملة باقات الزهور، الذين يمثلون الهيئات المختلفة من أفراد الشعب، وأصبحوا كتلة واحدة تتدافع لمصافحتها، ووجدت طريقها إلى غرفة الاستراحة الرسمية بصعوبة بالغة بين تلال الزهور، وأضواء التصوير فى أول مؤتمر صحفى لها، وخرجت من المطار فى سيارة يتبعها أسطول سيارات إلى فندق هيلتون، وكانت الجماهير تتدافع من المطار إلى الفندق لرؤيتها.
تؤكد «آخر ساعة» أن فنادق تونس ازدحمت ولم يبق فيها مكان، وتنقل عن مسؤول فى لجنة الاستقبال أن 80% ممن استقبلهم مطار تونس خلال الـ48 ساعة السابقة لوصول أم كلثوم تدفقوا لسماعها من فرنسا والدول العربية، وكان توصيل الناس إلى المطار لاستقبالها مجانيا من سائقى التاكسيات فى أغلب الأحوال.
ووفقا لمتابعة مجلة الكواكب فى عدديها 11 و18 يونيو 1868، فإن الرئيس بورقيبة استقبلها فى قصر الرئاسة بقرطاج، وكرمها بوسام الجمهورية من الدرجة الأولى، وقام بدعوتها إلى مأدبة غذاء حضرتها زوجته وسيلة ومسؤولون، وبلغ الاحتفاء مبلغه فى 2 يونيو 1968 بإزاحتها الستار عن اللوحة البيانية للشارع الذى يحمل اسمها فى قلب العاصمة التونسية، وعبرت عن سعادتها بهذه المبادرة قائلة: «لا غرابة فى هذا، فتونس الخضراء ستبقى ذات أسبقية فى تكريم الفن والفنانين وفى احتضان الإبداع والمبدعين».
كان الشاذلى القليبى وزيرا للثقافة فى تونس وقتئذ، ودعا إلى مأدبة يوم 8 يونيو بقرطاج حضرتها «وسيلة بورقيبة» ومسؤولون ومثقفون ونجوم المجتمع والإعلام، وتبارى الحاضرون فى تقديم الكلمات وقصائد الشعر احتفالا بالضيفة الكبيرة، وتجاوبت هى مع إلقاء قصيدة «صلوات فى هيكل الحب» للشاعر أبوالقاسم الشابى، وحين سئلت عما إذا كانت تنوى الغناء من شعره، قالت: «يسعدنى بحق»، ونظم الاتحاد الوطنى النسائى مأدبة غذاء على شرفها، وسارت فى شوارع تونس بعد أن أدت الصلاة فى مسجد الزيتونة.
وقبل حفلتها الأولى بيوم واحد، وتحديدا فى الخميس 30 مايو، كتبت وكالة تونس أفريقيا للأنباء الرسمية: «ليس حب الجمهور الكبير فى تونس لفن أم كلثوم وليد اليوم، حيث إننا وإن كنا نشاهد اليوم معظم التونسيين من فنانين وأدباء ورجال فكر وجماهير شعبية، يتابع بلهفة دائمة أغانيها الجديدة، فإن هذا لا يمنع من أن فن أم كلثوم القديم من أغان وأدوار ومواويل كان ولا يزال له محبون الشغوفون بسماعه فى بلادنا، ذلك أن كل ما تغنت به هذه المطربة العبقرية خلال هذه الحقبة الطويلة من الزمن، هو من خيرة ما جاءت به قرائح أساتذة الفن العربى فى المشرق».
وفى نفس اليوم، 30 مايو، عبرت عن مشاعرها الخاصة نحو تونس، قائلة للتليفزيون التونسى: «شعورى وأنا أزور تونس هو شعور المحب الذى وجد حبيبه بعد طول غياب، لقد غمرتمونى بالحب والزهور، فأنا لا أجد فرقا بين وطنى مصر ووطنى تونس الخضراء، أنا سعيدة بكل هذه الأجواء، سعيدة باللقاء الشعبى العظيم وسأسعد أكثر عندما سأقف مغنية للجماهير التونسية».
تؤكد «الكواكب» أن أسعار التذاكر للحفلتين بين 20 و50 دينارا، ووصلت إلى مائة دينار فى السوق السوداء، وبلغ إيراد الحفلتين مائة ألف دينار ذهبت للمجهود الحربى، وفى حفل 31 مايو قدمت «فكرونى» كلمات عبدالوهاب محمد وألحان محمد عبدالوهاب، وفى الوصلة الثانية غنت «الأطلال» كلمات إبراهيم ناجى وألحان رياض السنباطى، وتألقت فى الأغنيتين حد أنها أعادت مقطع «هل رأى الحب سكارى مثلنا» فى قصيدة الأطلال 26 مرة، استجابة لإشارة من يد «بورقيبة»، أما فى الحفل الثانى يوم 3 يونيو فقدمت فيها «انت عمرى» كلمات أحمد شفيق كامل، وألحان محمد عبدالوهاب و«الأطلال».