أصدر السلطان العثمانى «سليم الثالث» فرمانا فى 3 يونيو، مثل هذا اليوم، 1806 يقضى بنقل محمد على من حكم مصر إلى «سالونيك» باليونان، ليكون واليا عليها، وفقا للدكتور عبدالعزيز محمد الشناوى فى كتابه «الأزهر جامع وجامعة».
جاء هذا الفرمان بعد نحو عام من الثورة الشعبية التى شهدتها مصر بقيادة علماء الأزهر بزعامة عمر مكرم، وعزلت خورشيد باشا والى مصر، ونادت بمحمد على حاكما لها يوم 13 مايو 1805، وفرضت هذه الثورة قرارها على السلطان العثمانى الذى لم يجد مفرا أمامه إلا الخضوع لإرادة المصريين، وخلال هذا المسار بدت قدرة وبراعة محمد على فى المناورة للوصول إلى هدفه، وذلك بتحالفاته الداخلية مع كبار علماء الأزهر الذين قادوا الثورة، والاستناد عليهم فى مواجهة نفوذ الأطراف الخارجية، وكانت التفاعلات التى أحدثها قرار السلطان العثمانى يوم 3 يونيو نموذجا فى ذلك.
يؤكد «الشناوى» أن «سليم الثالث» أصدر أيضا فرمانا ثانيا بالعفو عن أمراء المماليك والسماح لهم بتأسيس نفوذهم فى مصر من جديد بزعامة محمد بك الألفى، وتعيينه شيخا للبلد، وكان الذى يشغل هذا المنصب يعد ثانى شخصية فى مصر بعد الباشا العثمانى، كما يعد كبير الأمراء المماليك، وكان أحيانا يحل محل الباشا المخلوع حتى يحضر الباشا الجديد.
كما أصدر السلطان فرمانا ثالثا بنقل «موسى باشا» والى «سالونيك» ليكون واليا على مصر، وأمر السلطان بإرسال أسطول يتكون من اثنتى عشرة قطعة بقيادة «صالح باشا قبودان» إلى الإسكندرية للإشراف على تنفيذ الوضع السياسى الجديد لمصر، وبالفعل وصل الأسطول فى 27 يونيو 1806، ووصل بعده موسى باشا الوالى الجديد فى 19 يوليو1806.
يحدد عبدالرحمن الرافعى أسباب هذا الانقلاب العثمانى، قائلا فى كتاب «عصر محمد على»: «لم يكن محمد على مرضيا عنه من الحكومة التركية ولا من الإنجليز، وسعت إنجلترا لإسناد حكم مصر إلى محمد بك الألفى، وكان الألفى على اتصال مستمر بالإنجليز، يتبادل وإياهم الرسائل والرسل ليتخذ إنجلترا شفيعة بل حامية وكفيلة لدى الباب العالى كى تتفق وإياه على الشروط التى يتولى بها الحكم، فعرضت إنجلترا على الحكومة التركية أن تعين واليا جديدا يكون من طراز الولاة الأتراك الأقدمين، الذين كانوا يتركون سلطة الحكم للأمراء المماليك، وأبلغتها أن الألفى يتعهد بأداء جزية سنوية مقدارها 1500 كيس، تضمن الحكومة الإنجليزية إيفاءها، ويتعهد بالولاء وبذل الطاعة والخضوع لأوامر الآستانة، وأن هذا الاتفاق إذا تم يكون فاتحة تقدم فى المعاملات التجارية بين البلدين، ما يؤدى إلى زيادة رسوم جمارك مصر وسوريا، وبالتالى يعود بالربح على خزانة الآستانة».
يؤكد الرافعى: «استمع الباب العالى لهذه الحجج، ورأى فيها منفعة مادية تعود عليه ولو كان من ورائها تسليم مصر للمطامع الإنجليزية، وصادف هذا الإغراء هوى فى نفوس حكام الآستانة، لأن الباب العالى لم ينس أن إسناد ولاية مصر إلى محمد على كان نتيجة قيام ثورة شعبية على الوالى الرسمى المعين بمقتضى فرمان سلطانى».
يكشف «الشناوى» أن محمد على عرف من عيونه «جواسيسه» فى إستانبول أسباب وتفاصيل هذا الانقلاب عليه، ويؤكد: «صحت عزيمته على التمسك ببقائه فى مصر ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ووضع فى تقديره إمكانية خوض صراع حربى ضد الدولة، وصرح قبل وصول الأسطول العثمانى إلى الإسكندرية بثلاثة أيام عن حجم هذا الصراع الحربى وتحديد القوات العسكرية التى ستشارك فيه ودوره، قائلا: إنى قد استحوذت على مصر بحد السيف، ولن أسلمها إلا بحد السيف أيضا، ولن يفلح الباب العالى مهما أصدر من فرمانات فى جعلى أترك هذا المكان، وليرسل ما شاء من الجنود، فإنى لا أعبأ بذلك، لأنى أعرف العثمانيين، فالأمر لا يتطلب منى سوى رشوتهم وسوف أرشوهم، ولا أخشى إلا أمرا واحدا هو رؤية الجنود الإنجليز يحضرون لتأييد قرارات الباب العالى، ولكنى حينئذ سوف أدعو الفرنسيين للمجىء إلى البلاد، وسوف أتركها لهم، وحتى يحدث ذلك سوف أدافع عن أطراف القاهرة شبرا شبرا، فإذا أرغمت على الارتداد اعتصمت بالقلعة ودافعت عن نفسى حتى النهاية، ومع ذلك لقد استطعت إحداث ثورة وضعتنى على رأس الحكومة، ولم يكن أتباعى وقتئذ سوى نفر قليل، أما الآن فلدى عشرة آلاف جندى، وإنى قوى، وسأعمل جاهدا لهزيمة الألفى».