من يتابع جلسات الحوار الوطنى، سوف يكتشف أن المشاركة الواسعة تولد أفكارا، وأن الخلافات والاختلافات قد تتحول مع النقاش والتنوع إلى ميزة، تضيف إلى الأفكار وتنضجها، وقد تنتهى إلى توافق، والأهم أنه مع طرح القضايا المتشابكة للمناقشة، أصبح الحوار واقعا، بمشاركة واسعة ومتنوعة من تيارات وأحزاب واتجاهات تتنوع من اليمين لليسار، بجانب حقوقيين وخبراء، هذا التنوع يكشف عن رغبة كبيرة من الجميع فى التحاور والنقاش، حول المستقبل والحاضر، والحضور والمشاركة بالجلسات والمحاور، كل ذلك يكشف رغبة وجدية الأطراف فى أن تشارك وتتحاور حول رسم خريطة المستقبل بشكل كبير، كما أنه يكشف عن أن الحوار والمشاركة الواسعة تتيح لكل الأطراف تقديم وجهات نظرها، وتفرض أيضا دراسة المعلومات والإحصائيات والأرقام الخاصة بالملفات.
هناك اتفاق، بين كل التيارات، على أن التعليم والصحة من أهم الملفات، والتعليم بالذات يتعلق بالحاضر والمستقبل، ويعانى النظام التعليمى من تراكمات عقود وتجارب، والحديث عن تطوير التعليم ينتقل إلى كيفية تمويل المبانى والمعلمين والمناهج، وبقية التفاصيل، وهى أرقام تترجم إلى مئات المليارات مطلوب توافرها بجانب كل الموازنات الأخرى، وفى المحور المجتمعى بالحوار الوطنى كان النقاش حول مشروع قانون إنشاء المجلس الوطنى الأعلى للتعليم والتدريب، ليكون مظلة للتعليم تعالج التعدد فى أنواع وأشكال التعليم، وقد دعا الرئيس عبدالفتاح السيسى، مجلس أمناء الحوار الوطنى، لعقد جلسة خاصة للجنة التعليم والبحث العلمى التابعة للمحور المجتمعى، لمناقشة مشروع إنشاء المجلس الوطنى الأعلى للتعليم والتدريب المقدم من الحكومة، حتى يمكن توسيع النقاش حول المجلس الذى يمثل خطوة مهمة ضمن استراتيجية التعليم.
وفى حال إنشاء المجلس الأعلى للتعليم يمكن توسيع مشاركة الخبراء ووضع استراتيجية للتعامل مع الملفات الخاصة بالتعليم ووجود نظام تعليم واحد، وهو أمر لا يتعارض مع التنوع، لكن مع وجود ثوابت تتعلق بتخريج أجيال تعرف بعضها، لا أنواع من التعليم تنتج أشخاصا غرباء عن بعضهم، ولا يعرفون إلى أى الهويات ينتمون، وهذه القضية مهمة جدا فيما يتعلق بالتعليم، فالهدف ليس تخريج قوالب جامدة متشابهة، لكن أجيال تعرف أنها تعيش معا، وهذه القضية تتشابك فيها قضية التعليم مع الهوية بالمحور الاجتماعى للحوار الوطنى.
وخلال العقود والسنوات الماضية، شهد العالم تحولات وتطورات وأحداثا تتعلق تتطلب نضجا فى التلقى والتعاطى مع عالم افتراضى لا يتوقف عن البث، ويزدحم بالكثير من المعلومات والأرقام والتقارير والبرامج والمنصات، وهو ما يتطلب بناء عقل قادر على التفاعل والنقد والتمييز، والقدرة على امتلاك قدرات تمكن من التفاعل مع التحولات، والتى تمثل ضغطا على كل العالم.
فى قضية التعليم تتداخل كل النقاط معا، نحن نحتاج 60 ألف فصل مدرسى سنويا، لتناسب الزيادة السكانية، مع أعداد أخرى لملء الفجوة فى الفصول التى تكونت على مدار عقود، هذه الفصول والمدارس تتطلب موازنات ضخمة، مع ضرورة توافر المعلمين الأكفاء، القادرين على استيعاب المناهج الحديثة وطرق التدريس، وأيضا ممن يمتلكون قدرات ثقافية تمكنهم من التعامل مع نظام تعليمى لا يعتمد على الحفظ، وإنما يمكنه التعامل مع التنوع والمنصات، نحتاج إلى الكوادر والأدوات والتكنولوجيا، ومن المدارس إلى الجامعات والتعليم الفنى، وكل هذا التشابك يتطلب بالفعل دراسة المجلس الأعلى للتعليم، وفتح الباب لمشاركات توسع من مفهومه وتنتهى به لأن يكون فاعلا فى ضمان وضع التعليم على طريق يراكم خبرات، وينهى تأثيرات التجارب التى لم تنته لشىء.
المهم فى الحوار الوطنى، هو القدرة على طرح الأفكار ومناقشتها، وفتح المجال للتنوع والتوسع، مع بناء الثقة بين الأطراف، لأن قضية التعليم مع أهمية الفصول والمدارس والمعلمين، تتعلق بالمستقبل والتعامل مع عالم لا يتوقف عن التغيير، ومنصات لا تتوقف عن البث.