سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 يونيو 1881.. النديم يصدر «التنكيت والتبكيت».. ويعترف بنفاق رئيس الحكومة للموافقة على الترخيص وعرابى يقرر تغيير اسمها لتعبر عن الثورة

ذهب عبدالله النديم إلى رياض باشا رئيس النظار «الوزراء»، واجتمع به كى يحصل منه على الموافقة بإصدار جريدة، ويتذكر: «اجتمعت برياض باشا فى مصر، وقد اضمر لى الأضر فنافقته ونافقنى، وجاذبته الحديث فوافقنى حتى أخذت منه إذن بجريدة «التنكيت»، وما أردت إلا «التبكيت»، وقصدت أن تكون لسانى ليكون لى فى كل بلد محافل خطابية»، حسبما يذكر الدكتور عبدالمنعم الجميعى فى كتابه «عبدالله النديم- الأعداد الكاملة للتنكيت والتبكيت». يذكر «الجميعى» أنه بعد حصول النديم على الإذن من رياض باشا، أصدر العدد الأول من «التنكيت والتبكيت»، من مطبعة «المحروسة» فى الإسكندرية يوم الأحد 6 يونيو، مثل هذا اليوم، 1881، «صحيفة وطنية أسبوعية هزلية فى هيئة كراسة بهدف تسهيل جمعها فى مجلد فى آخر كل سنة، وكتب اسمها فى الجزء العلوى من الغلاف بالخط النسخ بحجم كبير، وزين العنوان هلال ونجمة». كان «النديم» فى الثامنة والثلاثين من عمره وقتئذ، مواليد 1843 فى الإسكندرية، وكان يواصل نبوغه وتفرده، ويذكر «الجميعى»، أنه حقق نبوءة أستاذه جمال الدين الأفغانى بأنه سيكون «الرجل المؤثر فى عواطف الجماهير»، ويؤكد أن موهبته الفذة فى الخطابة والكتابة، اكتسبها من «خروجه إلى الشارع أو إلى الحياة الواقعية، فكانت بمثابة الجامعة التى تعلم منها كثيرا، وشاهد فيها كثيرا، واغترف منها ما يشبع مزاجه وهوايته فى الأدب فأحاط بالحياة الشعبية، وسمع الأمثال والحكايات من شعراء الربابة ونوادر الظرفاء، كما ارتاد المنتديات والمقاهى والمجالس الأدبية التى كانت تعقد فى بيوت الأثرياء، وفى حوانيت التجار المحبين للأدب». يذكر «الجميعى»، أن النديم لما سمع عن «الأفغانى» حضر مجلسه فاستهوته أفكاره الجريئة، لذلك تردد على حلقته، وانخرط فى سلك تلاميذه وتعلم منه حرية البحث والنقد والجرأة فى الدفاع عن الحق فتشبع بمبادئ الوطنية، ولما لاحظ الأفغانى فيه نبوغه وقوة حجته فى المناظرة وسرعة بديهيته، ووضوح دليله إن كتب أو خطب، أخذ يدربه وأعطاه من وقته واهتمامه الكثير. أثمرت موهبته مع رعاية الأفغانى له أن يكون «أول المصريين الذين عرفوا لأدبهم رسالة وكرامة» بوصف أحمد بهاء الدين فى كتابه «أيام لها تاريخ»، مضيفا أن النديم ذهب إلى رياض باشا للحصول على ترخيص «التنكيت والتبكيت»، ويعترف صراحة بتبادل النفاق بينهما ليتحقق هدفه بإصدار «مجلة فريدة فى تاريخ الصحافة المصرية كلها». يحدد «النديم» موضوعات الجريدة وغايتها فى افتتاحية العدد الأول: «هى صحيفة أدبية تهذيبية تتلو عليك حكما وآدابا ومواعظ وفوائد ومضحكات بلغة سهلة لا يحتقرها العالم، ولا يحتاج معها الجاهل إلى تفسير، وتصور لك الوقائع والحوادث بصورة ترتاح إليها النفوس وتميل، ويخبرك ظاهرها المستحسن المستهجن بأن باطنها له معان مألوفة، وينبهك نقابها الخلق بأن تحته جمالا بعشق تذهب الأرواح فى طلبه، ولا تظن مضحكاتها هزءا بنا ولا سخرية بأعمالنا، فما هى إلا نفثات مصدور وزفرات يصعدها مقابلة حاضرنا بماضينا». يوجه النديم الدعوة إلى كتاب عصره بأن يوافوه بمقالاتهم على النمط الذى اختطه لجريدته لينشرها، قائلا: «كونوا معى فى المشرب الذى التزمته، والمذهب الذى انتحلته بأفكار تخيلية، وفوائد تاريخية، وأمثال أدبية، وتبكيت ينادى بقبح الجهالة وذم الخرافات».. يذكر الجميعى عن فن الإخراج الصحفى للجريدة: «يبدو أن النديم مثله كمثل الكثيرين من صحفى ذلك العصر لم يراع فن التبويب، وإخراج الصفحات، لذلك كانت الصحيفة عبارة عن صفحات مكتوبة لا يفصل الموضوع عن الخبر إلا عنوان الموضع التالى». انضم «النديم» إلى الثورة العرابية وأصبح قائد دعايتها، وصارت «التنكيت والتبكيت» لسان حالها، لكن أحمد عرابى طلب منه تغيير اسمها لتناسب الظروف التى يمر بها الوطن، وحسب الجميعى: «اقترح عرابى أن يكون اسمها «لسان الأمة»، وأن يكون موضوعها سياسيا تهذيبا للذود عن حقوق الأمة والمدافعة عنها، وأرسل إلى إدارة المطبوعات بخصوص هذا التغيير خطابا قال فيه: «لدخولنا فى عصر جديد وفوت زمن التنكيت والتبكيت، اقتضى تبديل اسم جريدة التنكيت والتبكيت الأدبية التهذيبية، كما استقر الرأى عليه بالممارسة مع حضرة الفاضل عبدالله أفندى نديم محررها ومدير إدارتها باسم «لسان الأمة». يرى الجميعى: «يبدو أن هذا الاسم لم ينل إعجاب النديم فصدرت تحت اسم «الطائف»، واختار هذا الاسم لتفاؤله بأن الجريدة ستطوف البلدان الإسلامية وتيمنا بالبلدة الموجودة بهذا الاسم فى الحجاز، ويقول النديم: «خلصنا من زمن التنكيت والتبكيت وأصبحنا فى زمن الحرية ومعرفة الحقوق، وهذا الذى قضى علينا بتغيير اسم الجريدة ومشربها».



الاكثر مشاهده

رابطة العالم الإسلامى تنظم غداً مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" فى مكة

د.العيسى يلتقي رئيس جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر على متن سفينة "أوشن فايكينغ"

10 أسئلة وإجابات حول تعديلات قانون تملك الأجانب للأراضى الصحراوية.. برلماني

الشيخ العيسى: يمكن للقيادات الدينية أن تكون مؤثرة وفاعلة فى قضيةٍ ذات جذورٍ دينية

رابطة العالم الإسلامي تُدشِّن برنامج مكافحة العمى في باكستان

جامعة القاهرة تنظم محاضرة تذكارية للشيخ العيسى حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"

;