تعاون وثيق بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، شهد دفعة كبيرة خلال السنوات الماضية، إثر تواتر الأزمات، في صورتها الإقليمية، في منطقة الشرق الأوسط، خاصة خلال العقد الماضى إثر تفشي حالة الفوضى والتي وضعت العديد من الدول العربية على حافة الهاوية، أو على المستوى العالمي، جراء عودة الصراع الدولي بين الشرق والغرب إلى الواجهة مجددًا، عبر الأزمة الأوكرانية، وما يتخلل ذلك من أوبئة وتداعيات ظاهرة التغير المناخي.
ففي خلال كلمته أمام جلسة مجلس الأمن، التي عقدت اليوم الخميس لمناقشة التعاون مع جامعة الدول العربية، قال الأمين العام أحمد أبو الغيط إن العلاقة بين مجلس الأمن والقضايا العربية تعود إلى زمن نشأة الأمم المتحدة ذاتها، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ذات الأهمية الاستثنائية، إلا أن العقد الماضي شهد تفجر قضايا وملفات متعددة وشديدة التعقيد وجدت طريقها للمجلس.
وأضاف أن العالم يمر بمرحلة خطيرة، إذ اقترب، ولأول مرة منذ عقود، من شبح مواجهة نووية، وازدادت حدة الصراع بين القوى الكبرى بكل ما تولده من حالة من الاستقطاب، وتنامي التوترات الدولية، مع تقلصٍ في القدرة على العمل الجماعي المتضافر من أجل مواجهة التحديات المشتركة التقليدية وغير التقليدية التي تواجه البشرية، وعلى رأسها مكافحة الارهاب، والتغير المناخي، والاضطراب الناشئ عن التطورات التكنولوجية وفي مقدمتها تلك المتعلقة بتطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي دون قيود، فضلاً عن تحدي انتشار أسلحة الدمار الشامل وغيرها.
الحرص على تعزيز التعاون لم يقتصر على الجانب العربي، وانما واضحا على الجانب الأممي جراء العديد من التحديات التي باتت تواجه العالم، والحاجة الملحة لتعزيز التضامن بين المنظمتين في المرحلة المقبلة، لمجابهة التحديات المشتركة.
من جانبها، سلطت روزماري ديكارلو، وكيلة الأمين العام لإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، الضوء في إحاطة مجلس الأمن اليوم على كيفية تعزيز الأمم المتحدة تعاونها مع الجامعة العربية عن طريق مكتب اتصال الأمم المتحدة في القاهرة.
وأضافت "نحن ملتزمون بمواجهة تحدياتنا المشتركة، واغتنام الفرص المتاحة أمامنا في العالم العربي والعالم. ويمكننا معاً تحقيق ما لا يمكن لمنظمة أن تفعله بمفردها."
والتعاون بين الجامعة العربية والأمم المتحدة، وفي القلب منها مجلس الأمن الدولي، لا يقتصر على قضايا الصراع التقليدية، سواء الاقليمية أو الدولية، وإنما يمتد نحو الصورة الجديدة التي باتت تهيمن على الأزمات الدولية، سواء جراء الأوبئة أو ظاهرة التغيرات المناخية، والتي تمثل في جوهرها تهديدا وجوديًا للكوكب بأسره.
أبو الغيط
في هذا الإطار، وشدد أبو الغيط على أن الجامعة العربية تظل شريكاً فاعلاً ورئيسياً في منظومة العمل متعدد الأطراف في جهود صون السلم والأمن الدوليين، حيث تضافرت جهودنا المشتركة للتصدي لعدد من التحديات العالمية ومن بينها الأزمات الصحية، والنزاعات المسلحة، والإرهاب والتطرف العنيف، والأمن الغذائي، والأمن المائي، والتصحر، وتغير المناخ، والحد من الكوارث، وغير ذلك من التحديات الخطيرة.
وأشار إلى العمل على هذه الجبهات المختلفة سيتطلب تطوير الأساس الإستراتيجي لاجتماعات التعاون العام، واجتماعات التعاون القطاعي التي تجرى بالتناوب بين المنطمتين، وذلك بهدف تحسين مستوى معيشة الشعوب العربية والتخفيف من آثار هذه التحديات عليها.
وأكد على على الأهمية التي توليها الجامعة العربية للشراكة الاستراتيجية مع مجلس الأمن، مؤكدا أهمية التفاعل بينهما لدعم الأمن والسلم في الشرق الأوسط بأمل أن تتحول المنطقة من منطقة نزاعات وأزمات الى منطقة أمن واستقرار تتمتع شعوبها بما يستحقونه من السلام والرخاء والازدهار.
بينما احتلت القضايا العربية جزءً عريضا من كلمة الأمين العام، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، حيث دعا إلى إعادة الاعتبار لحل الدولتين باعتباره يُمثل السبيل الوحيد، في تقدير الجامعة العربية، لتحقيق سلام مُستدام، وهو الحل الذي ارتضاه المجتمع الدولي، وبلوره في قرارات صادرة عن مجلس الأمن وعن الجمعية العامة، وهو أيضاً الحل الذي يقع في صلب مبادرة السلام العربية، التي لا زالت الجامعة العربية تتمسك بها، وتعتبرها المدخل الوحيد لسلام إقليمي يقوم على أساس إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
بينما احتلت السودان اهتمامًا كبيرا من جانب أبو الغيط، حيث أعرب عن استشعار الجامعة العربية الخطورة البالغة التي ينطوي عليها الوضع الراهن في السودان ودول الجوار مبرزا تحرك الجامعة العربية بنشاط في إطار من التنسيق مع المنظمات الإقليمية الأخرى، وبالذات الاتحاد الإفريقي، لتحقيق الهدف المشترك وهو الوقف الكامل للعمليات العسكرية بما يتيح الوصول الي قدر من الاستقرار ليسمح باستعادة العمل السياسي الذي يلبي طموحات الشعب السوداني، مشيرا إلى أن الهدف هو الحفاظ على سودان موحد ومستقر من دون تهديد لوحدته الترابية، أو إضعاف لوحدة مؤسساته الوطنية.
كما تناول عودة سوريا إلى الجامعة العربية، معربا عن أمله أن تكون خطوة مهمة نحو معالجة أزمتها الممتدة، بحيث تدفع بدور عربي أكثر نشاطاً وتأثيراً في تحقيق تسوية سياسية لا سبيل لمعالجة هذه الأزمة الخطيرة سوى من خلالها ووفق قرار مجلس الأمن 2254، فالحل السياسي يبقي سبيلاً أساسياً لاستعادة الاستقرار إلى سوريا وصيانة سيادتها على كامل ترابها الوطني.
واعتبر أن الهدنة التي تحققت، في اليمن على نحو فعلي برغم إصرار جماعة الحوثي على رفض تمديدها رسمياً، قد أسهمت بالفعل في تخفيض حدة الصراع، كما أن بوادر إيجابية، مثل الإفراج المتبادل عن الأسرى، قد أسهمت في تخفيض التصعيد، غير أن الوضع في اليمن ما زال مأسوياً بعد نحو عقد كامل من الصراع الأهلي مشيرا إلى معاناة هذا البلد من الأزمة الإنسانية الأخطر في عالمنا اليوم، والملايين من سكانه في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، مشددا على أن الحل السياسي للأزمة يظل ممكناً، خاصة لو بُذلت ضغوط كافية على الطرف الحوثي كما أن الاتفاق الذي تم توقيعه بين المملكة العربية السعودية وإيران في مارس الماضي يفتح أفقاً مهماً يتعين اغتنامه من أجل تحقيق تهدئة مطلوبة وربما تسوية في اليمن.
وأشار إلى أن تعزيز الأمن الإقليمي في المنطقة العربية، وبخاصة في منطقة الخليج العربي وباب المندب، يقتضي في الأساس التزاماً من كافة الأطراف بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها، وكذلك التزاماً بأحد المبادئ الاساسية التي يتأسس عليها النظام الدولي وميثاق هذه المنظمة العتيدة؛ وهو عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.
وفي ليبيا، اعرب أبو الغيط عن تأييده لجهود التوصل الي مصالحة شاملة في البلاد، آملًا أن تتجاوز كافة الأطراف العقبات التي تحول دون إجراء الاستحقاقات الانتخابية، باعتبار أن الانتخابات توفر المخرج الوحيد والحل المستدام للأزمة التي تمر بها البلاد، وما تشهده من انقسام خطير في المؤسسات، وأن تنعكس التطورات الإيجابية في المحيط الاقليمي لليبيا على الأوضاع فيها، داعيا المجتمع الدولي إلى الاستمرار في مواكبة الليبيين حتى يصلوا الي بر الأمان، مشيدا بجهود كافة الدول العربية الساعية بصدق الي مساعدة أشقائهم الليبيين على تجاوز المأزق الحالي.