عرف الدكتور محمد علوى باشا، طبيب الأمير فاطمة ابنة الخديو إسماعيل، أنها تنوى عمل «وقفية»، فأبلغ مجلس إدارة الجامعة المصرية بذلك فى 17 يونيو، مثل هذا اليوم، 1913، وقال للمجلس إنه أقنعها بتخصيص جزء من هذه الوقفية للجامعة، حسبما يذكر الدكتور محمود فوزى المناوى، فى كتابه «جامعة القاهرة فى عيدها المئوى».
جاء ذلك بعد مرور ما يقرب من خمسة أعوام على افتتاح الجامعة فى حفل حضره الخديو عباس الثانى يوم 21 ديسمبر 1908، وتلا فيه البرنس فؤاد باشا «الملك فيما بعد» رئيس الجامعة خطابه، وبدأ فى اليوم التالى إلقاء الدروس، وفقا للدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه «فؤاد الأول.. المعلوم والمجهول»، مضيفا: «مدت شقيقته الأميرة فاطمة إسماعيل يد الجود والإحسان والمبرة للجامعة».
امتلكت الأميرة فاطمة ثروتها الكبيرة من ميراثها من والدها، وزوجها الأمير محمد طوسون بن سعيد بن محمد على، الذى تزوجته عام 1873، ويذكر الدكتور محمد صبرى الدالى فى كتابه «الأمير عمر طوسون»: «يوم زفافها كانت تلبس عددا كبيرا وثقيلا من الحلى إلى حد أن اثنين من الأغوات كان يسندانها لتتمكن من المرور عبر قاعات الاستقبال، ومات زوجها محمد طوسون عام 1876 وعمره 23 عاما، تاركا تركة تم توزيعها فى العام التالى لوفاته وفق أمر عال من الخديو»، ثم تزوجت مرة ثانية من الأمير محمود سرى باشا.
يذكر يونان لبيب رزق، أن مشروع الجامعة أصيب بنكسة بدءا من عام 1911 لعدم الإقبال عليه كما كان متوقعا، فكان وقف الأميرة فاطمة طوق إنقاذ، ويذكر محمود فوزى المناوى، أنه فور إبلاغ الدكتور محمد علوى باشا لمجلس إدارة الجامعة بنية الأميرة فاطمة، قرر المجلس إيفاد كل من عبدالخالق ثروت باشا والدكتور محمد علوى باشا، وعلى ذوالفقار باشا وعبدالله وهبى باشا، لمقابلة الأميرة فاطمة للسعى لتخصيص جزء من الوقفية للجامعة، وذكر علوى باشا فى تقريره أنه أمضى يوم الخميس 3 من يوليو سنة 1913 حتى منتصف الليل فى تبييض وثيقة الوقفية حتى تعتمدها الأميرة قبل سفرها يوم الجمعة 4 يوليو 1913، وتمكن من الحصول على الوثيقة قبل سفرها.
ينقل «المناوى» عن الأهرام فى 4 يوليو 1913 ما نصه: «استدعت أمس 3 يوليو صاحبة العصمة البرنسيسة فاطمة هانم إسماعيل أصحاب السعادة محمد علوى باشا، وعبدالخالق ثروت باشا، وعلى بك بهجت، وحسن بك سعيد، وأحمد باشا عزت، من أعضاء الجامعة، وأبلغت الخبر السار، وهو أنها وقفت 3306 فدانا وخُمس فدان من أملاكها فى سندوب على أعمال خيرية، فخصصت الجامعة المصرية بخمس هذه الأطيان أى 661 فدانا وخمس فدان، ولما كانت الجامعة بحاجة إلى أرض تبنى عليها، فقد وقفت عليها فوق ما تقدم 6 أفدنة فى الدقى على طريق بولاق الدكرور، والمؤدى إلى قصرها فى الجيزة، وبما أن خزانة الجامعة لا تستطيع القيام بنفقة البناء فهى تبرعت من الآن بمبلغ 18 ألف جنيه لهذا الغرض، وسلمته لحضرات مندوبى مجلس إدارة الجامعة، ثم أمرت بكتابة تلك الحجة، واستدعت حضرة القاضى الشرعى فى الساعة الثامنة والنصف ليلا وسجلت الحجة».
يذكر «المناوى» أن الدكتور محمد علوى باشا، قدم تقريرا لمجلس الجامعة بجلسته يوم 10 يوليو 1913، عرض فيه موافقة الأميرة فاطمة على تخصيص الوقف على الجامعة، ووجه المجلس الشكر للأميرة تلغرافيا نظرا لوجودها فى الآستانة جاء فيه: صاحبة الدولة الأميرة فاطمة هانم، نرفع لدولتكم أن مجلس إدارة الجامعة تلقى نبأ كرمكم وجودكم عليها بما منحتموها من الهبات العظيمة الثمينة، وقرر قبول هذه المبررات وإبداء مزيد الشكر لدولتكم، حفظكم المولى عز وجل ومد فى أجلكم».
يضيف «المناوى»: «بعد عودتها من السفر زار وفد من الجامعة برئاسة حسين رشدى باشا الأميرة فاطمة، وألقى كلمة الجامعة الشيخ محمد الخضرى، قال فيها: «إن طلاب العلم فى القطر كله يرحبون بمقدمك السعيد، ويسألون من الله العمر المديد، فقد طوقت أعناقهم بالمنة العظمى وأغدقت عليهم الإحسان الجليل، ثم تلاه الشيخ طه حسين خريج الجامعة المصرية وتلا أبياتا عامرة ترحيبا بالأميرة مطلعها: «سلى مصر إذا أقبلت كيف ابتهاجها / بمقدمك السامى وكيف سرورها / وكيف ازدهاها البشر حين دنا لها / يحدثها أن قد دنوت بشيرها / سليها تحدثك اليقين فما حدا / بنا نحو هذا القصر غير شعورها».
يذكر «المناوى» أن الأميرة فاطمة اشترطت أن يتم البناء على شكل بافيون أى مبان منفصل بعضها عن البعض، ويكتب اسمها بالذهب على باب الجامعة، وتقدم لها رسومات المبانى فى عام 1914، وتعهد بإدارة الوقف إلى مجلس مكون من أربعة أعضاء من مجلس إدارة الجامعة واثنين من العلماء المشهورين بالتقوى والصلاح، واثنين من مشاهير التجار، وفضيلة قاضى مصر، والمعتمد العثمانى فى مصر.