يتصدر تويتر عناوين الأخبار بشكل دائم منذ أن تولى رئاسته إيلون ماسك، الذى أحرز لقب أغنى رجل ليس فقط في العالم ولكن في التاريخ، ولكن معظم هذه الأخبار ليست سارة كما كان يظن الملياردير الأمريكي منذ اليوم الأول الذى قرر فيه أنه سيعقد صفقة للاستحواذ على منصة التواصل الاجتماعى مقابل 44 مليار دولار، ولكن الغريب حقًا هو لماذا فشل الملياردير الأمريكي في صفقة تويتر على الرغم من نجاحه في كل المجالات التي دخلها بعالم الأعمال وضرب فيها مثال للعبقرية وإدارة الموقف؟
لم يكن إيلون ماسك مجرد شخص حقق شيئًا لم يحققه أي شخص من قبله فيما يخص إدارة الأعمال والكسب، ولكن يمكن أيضًا تصنيفه بأنه أذكى رجل في العالم، لقد خلق من أفكاره واقع وأثر في كل ما يحيط به، ولكن هل خانه ذكائه بالنهاية؟
لم يولد إيلون ماسك لأب من أغنياء العالم ولم يكن لديه الثروة التي يبدأ بها ما وصل له الآن، حتى إنه كان طفل صغير نشأ في ظروف صعبة جدًا من انفصال والديه وتنمر زملائه بالمدرسة، حتى إنهم تعدوا مرحلة الإيذاء اللفظى للإيذاء البدنى، ودخل على أثر ذلك المستشفى بكسر في أنفه.
ولعل هذا الأمر الخاص بتنمر زملائه يرجع لتميزه من الطفولة وذكاءه، فأحد أسباب نفور الأطفال منه في المقام الأول هو أنه كان مختلف عن باقى الأطفال ويشرد معظم الوقت حتى إنه لم يكن يرد على أحد وكأنه في عالمه الخاص وحتى ردوده كانت ردود منطقية وعقلية لا تتناسب مع عقول الأطفال في نفس مرحلته، تسرد والدته "ماى"، بحسب كتاب أشلى فاينس عن سيرته الذاتية "إيلون ماسك شركتا تسلا وسبيس إكس والتطلع لمستقبل رائع"، موقف له مع أحد الأطفال، عندما أعرب الطفل أنه يخاف الظلام، فأوضح له إيلون أن " الظلام ھو مجرد غیاب الضوء "، وھو ما لم یطمئن الطفل الخائف، وجعله غاضب أكثر من أسلوب إيلون، حتى إن الأطفال كرهوا التعامل معه وكانوا يقولون، "لن نلعب معك بعد الآن يا إيلون".
عبقرية وإنجاز من الطفولة
كان إيلون ماسك طفل بعقلية لم تشير لسنه أبدا، قبل أن ينتهى من مرحلته الابتدائية، تمكن من قراءة موسوعة كاملة، وفي سن الـ12 باع ماسك لعبة كمبيوتر من ابتكاره سماها "بلاستار" لمجلة كمبيوتر مقابل 500 دولار، ضمن مسابقة أطلقتها المجلة وفاز بها، ولم تمنعه الظروف المحيطة بالغة القسوة من أن يبدع، ولا تؤثر على مستوى ذكاءه وإقباله على العلوم وقدرته على الإبداع.
وحصل على منح دراسية وتدريبية من جامعات عالمية وشركات كبري فيما بعد، وهو ما يثبت ذكاءه العلمى الذى استطاع أن يثقله بذكاء عملى في عالم البيزنس، فهو حاليا الرئيس التنفيذي لشركة SpaceX و Tesla، ومؤسس شركة The Boring Company و Neuralink، وكل هذه الشركات الكبرى بدأت بشركة صغيرة انشأها مع أخوه كيمبال وسماها Zip2، الشركة التي كانت عبارة عن مقر صغير في أحد زوايا المدينة، عبارة عن دليل على الويب عن الشركات والمتاجر ويربط عناوينهم وخرائط عنهم، واستطاع أن يقنع الشركات أنهم يشاركوا عناوينهم على الدليل أمام تكلفة محددة، ومن هنا كانت بداية إيلون ماسك في عالم البيزنيس والشركات.
وهناك عشرات القصص وراء نجاح كل شركة من شركاته واستراتيجيات الإدارة الخاصة به، التي يتضح فيها الذكاء الشديد ليس فقط الالتزام والمجهود والكفاح، حتى أنه انشأ شركة فضاء خاصة في أمريكا وصنع صواريخ بطريقة مختلفة تماما عن أي كيان آخر في العالم، مستفيدا بخلفيته العلمية وقدرته على الابتكار والتطوير حتى وصل لصاروخ أرخص في التكلفة وأكثر تطورا، فإن هذا الرجل عبارة عن منبع أفكار وصندوق معلومات ودماغ حسابية بها تركيبات معقدة وفى النهاية رجل أعمال شاطر.
ماذا حدث مع صفقة تويتر؟
بدأت قصة إيلون ماسك مع تويتر من زمن، فهو الرجل الذى يثير الجدل بتغريداته طوال الوقت، قبل أن يفكر من الأساس في الاستحواذ على تويتر، فيكتب تارة أن الأهرامات بناها فضائيين، وتارة أخرى يزعم ضرب المريخ بالنووى حتى يصبح صالح للحياة، وذلك بخلاف معاركه الكلامية على تويتر ضد منافسيه وجذب قاعدة معجبين ضخمة.
أعرب إيلون ماسك عن رغبته في شراء تويتر وكان هذا الخبر الأكثر إثارة للجدل وسط كل ما صرح به من قبل، وانتشرت الكثير من الأنباء حول الصفقة باهظة الثمن التي سيعقدها من أجل ذلك، ولكن الجميع كانوا يتساءلون لماذا يفعل إيلون ماسك ذلك؟ هو رجل أعمال ومبتكر ومتفاعل على موقع التواصل الاجتماعى ولكنه لم يستثمر يوما في عالم السوشيال ميديا، فهل سينجح؟
أصبح ماسك المالك الجديد لموقع تويتر رسميًا، ونشر تغريدات "الطائر يتحرر" في إشارة لرمز الطائر الخاص بالتغريد، في 27 أكتوبر من العام الماضى، ثم أكد ماسك خططًا لتغيير نظام التحقق من "العلامة الزرقاء" على Twitter، مقابل رسوم اشتراك مخفضة تبلغ 8 دولارات شهريًا.
بدأ الوضع الجديد في فرض نفسه بشكل غريب بعد أسبوع واحد من استحواذ ماسك، حيث أنه في 4 نوفمبر 2022، استغنى ماسك عن نصف القوى العاملة في Twitter كإجراء مزعوم لخفض التكاليف، مدعيا أنه ليس لديه خيار، وأطلق ماسك خدمة الاشتراك "Twitter Blue" التي تتحقق من الحسابات مقابل رسوم شهرية، لكنه لم يتعدى يومين حتى تم إيقاف خدمة Twitter Blue مؤقتًا بسبب شراء الحسابات للتحقق واستخدامها لانتحال شخصية العلامات التجارية والشخصيات العامة، فلم يحسب الأمر جيدا.
الأغرب من ذلك، أنه بعد يوم واحد في 12 نوفمبر الماضى، طرد ماسك 80% من متعاقدى تويتر دون سابق إنذار، وبعد ثلاث أيام طرد ماسك الموظفين الذين نشروا تعليقات سلبية عنه على تطبيق الرسائل Slack، وتم إخبار موظفي تويتر أنهم بحاجة إلى توقيع تعهد ليتمكنوا من الاستمرار في أدوارهم حيث يعملون لساعات طويلة بكثافة عالية أو يتلقون ثلاثة أشهر من مكافأة نهاية الخدمة، مما أدى إلى مغادرة الكثيرين.
لم تكن هذه المفاجآت الوحيدة في نوفمبر، فقد كان نوفمبر الأسود في تاريخ تويتر، حيث أبلغ أحد مستخدمي تويتر عن تسريب 5.4 مليون رقم هاتف وعناوين بريد إلكتروني على الويب المظلم، قبل تعليق حسابه، وكشفت Financial Times أن 50 من أفضل 100 معلن على المنصة قد أوقفوا إعلاناتهم مؤقتًا، وأفاد برنامج Platformer أن تويتر بصدد إعادة حوالي 62000 حساب محظور يضم كل منها أكثر من 10000 متابع.
وتواصل قيمة موقع تويتر Twitter حاليا الانخفاض تحت قيادة إيلون ماسك، وفقًا لشركة الخدمات المالية فيديليتي، كما ذكرت بلومبرج، حيث قدر مدير الأصول أن تويتر لم يستحق سوى حوالي 15 مليار دولار، أي ما يقرب من 33 ٪ من 44 مليار دولار دفعها إيلون ماسك لشرائه في أكتوبر.
رأى إيلون ماسك نفسه المشهد الغريب والفشل بعد النجاح والعبقرية، وخرج للجمهور يقول في تصريح في مؤتمر في باريس: "إذا كنت ذكيًا جدًا، فلماذا دفعت الكثير لشراء Twitter إذن؟"
أجاب إيلون ماسك على سؤاله، واعترف بأن الصفقة كانت باهظة الثمن، لكنه قال إنه قرر شراء منصة التواصل الاجتماعي لأنه كان مغردًا رئيسياً وكان قلقًا بشأن "التحرك في اتجاه سلبي" حسبما نقلت CNBC، مؤكدا "كنت قلقًا من أن يكون لـ Twitter تأثيراً سلبياً على الحضارة وتأثير مدمر على المجتمع".
وأضاف ماسك: "أعتقد أن معظم مستخدمي المنصة سيقولون إن تجربتهم قد تحسنت"، موضحا "لقد تخلصنا من 90% من برامج الروبوت والخداع والأشياء السيئة المختلفة التي تحدث.. لقد تخلصنا من 95% من مواد استغلال الأطفال على Twitter."
لكن السؤال هنا بعد أن سردنا الحقائق والخلفية الخاصة بإيلون ماسك، هل بحق وصف إيلون ماسك للمشهد هو حقيقي أو تبرير لما يحدث ويتعجب له الجميع، هل كان عليه أن يخسر كل هذه الأموال ويبدأ في بيع بعض أسهم تسلا من أجل إنقاذ تويتر، ويتراجع في الترتيب العالمى لأغنياء العالم من أجل صفقته الجديدة وهدفه الذى عبر عنه مؤخرا.
قال إيلون ماسك خلال اجتماع لفريق عمل تويتر إنه يبيع أسهم تسلا من أجل إنقاذ تويتر، كما حذر ماسك الموظفين في رسالة بريد إلكتروني من أن خسائر تويتر يمكن قياسها بالمليارات، وقدر المستثمر في شركة Tesla والمؤسس المشارك لـ Future Fund Active ETF (FFND)، غاري بلاك، منذ أشهر ماضية، أن الخسائر قد تصل إلى 3 مليارات دولار سنويًا، مضيفا "لا يزال موقع تويتر بمثابة مكب للنفايات".
وهو الأمر الذى يجعلنا نرجع لحقيقة ما أشاع عن صفقة تويتر في بدايتها من المستخدمين عندما قالوا أن إيلون ماسك اشترى المنصة فقط لحبه وشغفه بها حتى يصبح متحكما في كل تفاصيلها ويشكلها كما يحب، وليس لأنها صفقة عملية يبرمها عملاق التكنولوجيا والمليادير العالمى ويديرها بذكاء، حتى أن كل قرارته كانت صادمة وبعضها كان ينم عن موقف شخصى، بالنهاية هل خان إيلون ماسك ذكاءه فيما يخص صفقة تويتر وبدلا من الاستعانة بخبراء من البداية ووضع خطط عملية تضيف للمنصة، اندفع لإبرام الصفقة وتحقيق رؤيته كما يحلو له؟!