- المحكمة ترفض تعويض مواطن عذبه ضابط فى عهد مبارك لعدم وجود دليل
-التعذيب خرق دستورى لا يمكن قبوله ولا يجوز التسامح فيه بعد أن ثار الشعب على كل مظاهر الاستبداد
-التعذيب ينال من الكرامة الإنسانية ويؤذى الشعور العام للمواطنين ويبث روح الكراهية
-الإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الجرائم المقترفة يفوق الجرائم المكتشفة والأمن الحديث شراكة مع الجمهور
-المواطن لم يقدم أى دليل على التعذيب والضابط قدم قرار النيابة العامة بالحفظ والمحكمة ترفض التعويض
قضت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، أمس بأن التعذيب فى السجون وأقسام الشرطة جريمة وخطأ شخصى جسيم للضابط يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة بصورة بشعة تستوجب التعويض من ماله الخاص وليس من مال الوزارة لخرقه أحكام الدستور، فضلا عن محاكمته جنائيًا وإلزام وزير الداخلية بإحالة من يثبت فى حقه التعذيب لمجلس تأديب لمحاكمته تأديبيا.
وأكدت المحكمة أن التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفته حقوق الإنسان، كما أكدت أيضًا على أن مفهوم الأمن تحول فى الفكر الحديث من منظور ضيق قاصر على الشرطة إلى شراكة مع الجمهور، فالإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الجرائم المقترفة يفوق الجرائم المكتشفة مما يقتضى ضرورة التعاون بينهما، وأكدت أيضًا على أن التعذيب نظرًا لخطورة آثاره على مستقبل الضابط فإنه يلزم إقامة الدليل عليه، ورفضت تعويض المواطن لعجزه عن تقديم الدليل ولحصول الضابط على قرار من النيابة العامة بالحفظ .
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صالح كشك ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة، أولا: فى الدعوى الأصلية، بقبول الدعوى شكلا وبرفض طلب المدعى أبو الخير يسين أحمد أبو الخير إلزام وزير الداخلية بتعويضه عما ذكره من تعرضه للتعذيب على يد الضابط محمد أحمد زايد رئيس مباحث إيتاى البارود آنذاك لحفظ النيابة العامة المحضر الإدارى رقم 5397 لسنة 2004 إدارى إيتاى البارود لعدم كفاية الأدلة، وعدم ثبوت دليل التعذيب وألزمته مصروفاتها، ثانيا: فى الدعوى الفرعية المقامة من وزير الداخلية ضد الضابط المذكور بعدم قبولها وألزمت الإدارة مصروفاتها.
وقالت المحكمة إن اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالقرار 39/46 المؤرخ فى 10 ديسمبر 1984، والتى دخلت حيز النفاذ فى 26 يونيه 1987 تقرر تعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومراعاتها على مستوى العالم، ومراعاة منها المادة 5 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والمادة 7 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكلتاهما تنص على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، ومراعاة منها أيضًا لإعلان حماية جميع الأشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، الذى اعتمدته الجمعية العامة، وقد أقرت مصر الاتفاقية وفقًا للقرار الجمهورى 154 فى 6 إبريل 1986 ونُشرت فى الجريدة الرسمية المصرية فى 7 يناير 1988، ودخلت حيز النفاذ فى 25 يوليو 1986، وأصبحت من ثم قانونا من قوانينها.
وأضافت المحكمة أن المشرع الدستورى المصرى جعل الكرامة حق لكل إنسان ولم يجز المساس بها، وألزم الدولة باحترامها وحمايتها وجعل التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لتعلقها بحقوق الإنسان، وألزم الدولة بأن كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته يجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه بدنيا أو معنويا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، وجعل كل مخالفة لأى من تلك الالتزامات الدستورية جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون بل منح للمتهم حق الصمت وأهدر كل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شىء مما تقدم أو التهديد بشىء منه، ولا يجوز التعويل عليه، كما أن المشرع الدستورى جعل الشرطة فى خدمة الشعب وولاؤها له وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة، وتلتزم بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وذكرت المحكمة أن الفقه اللاتينى قد ذهب إلى أن الخطأ الشخصى المتصل بالوظيفة الإدارية يأخذ إحدى صورتين: فإما أن يكون خطأ عمدياً، وإما أن يكون خطأ جسيماً بحيث يصل إلى حد خرق أحكام الدستور أو ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات، وفى الحالتين يسأل الموظف من ماله الخاص، ويستوجب مسئوليته الشخصية، وتتمثل الصورة الأولى فى الخطأ العمدى faute intentionnelle la وغايته البحث عن اتجاه نية الموظف إلى إلحاق الأذى بالغير، كاشفًا بذلك عن شخصية مرتكبه الضعيفة ونزواته الهزيلة وعواطفه المتهاترة باغياً من تصرفه تحقيق مصلحته الشخصية ومنفعته الذاتية وأغراضه الخاصة التى لا تتعلق بالصالح العام بأى صلة ولا ترتبط بأى علاقة مع الخدمة الوظيفية، فتقوم مسئوليته الشخصية ويلتزم بالتعويض من ماله الخاص عن الأضرار التى أصابت الغير، أما الخطأ الجسيمfaute lourde la فهو الخطأ الذى يجاوز المخاطر العادية للوظيفة، ولا يمكن قبوله أو إيجاد عذر لارتكابه، ولا يمكن التسامح فيه حتى بالنسبة للموظف غير المتوسط، ويعد الخطأ جسيما بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الخطأ قد توافر لديه نية الإيذاء أم لا، وفى تلك الحالة يخطئ الموظف خطأ قانونيا جسيما، وذلك بتجاوز حدود سلطاته الشرعية بصورة بشعة، ويمثل ذلك التجاوز انحرافا حقيقيا للسلطة فى الدرك الاسفل منها، وهو ما يستوجب مسئولية الموظف الشخصية، ويسأل عنه الموظف فى ماله الخاص، وأشارت المحكمة إلى 14 مرجعا علميا لفقهاء فى فرنسا وحكمين للقضاء الإدارى المصرى إبان العصر الملكى وتسعة أحكام حديثة لمجلس الدولة الفرنسى.
وأكدت المحكمة أن ارتكاب رجل الشرطة جريمة التعذيب الواقع على أحد المواطنين تعد خرقا دستوريا وجرما جنائيا وإثما تأديبيا وتشكل خطأ شخصياً من جانبه تستوجب مسئوليته عن التعويض المطالب به من ماله الخاص باعتبار أن التعذيب ينال من الكرامة الإنسانية، وأن ارتكابه لهذا الخطأ الجسيم يجاوز المخاطر العادية للوظيفة، وأن التعذيب لا يمكن قبوله أو إيجاد عذر لارتكابه ولا يمكن التسامح فيه خاصة بعد أن ثار الشعب على كل مظاهر الاستبداد بثورتيه فى 11 يناير 2011 و30 يونيه 2013، ولا يمكن التسامح فيه حتى بالنسبة لرجل الشرطة غير المتوسط، ويعد الخطأ فى حالة التعذيب جسيما بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الخطأ قد توافر لديه نية الإيذاء أم لا، وذلك بتجاوز حدود سلطاته الشرعية بصورة بشعة، ويمثل ذلك التجاوز منه انحرافا حقيقيا للسلطة فى الدرك الأسفل منها، وهو المنوط به بأن يكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن والسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة ويلتزم بما يفرضه عليه الدستور والقانون من واجبات واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهو ما يستوجب المسئولية الشخصية لرجل الشرطة، ويسأل عنه فى ماله الخاص، فضلا عما يؤدى إليه التعذيب من نتائج فادحة تتمثل فى إيذاء الشعور العام للمواطنين وما يترتب على ذلك من عدم استقرار الحياة فى المجتمع وتعارضه مع أصل من الأصول القانونية الذى تمليه الطمأنينة العامة وما تقضى به ضرورة استقرار الحقوق والروابط الاجتماعية استقراراً ثابتاً، ولذلك تعتبر المخالفة القانونية فى هذه الحالة خطيرة وجسيمة ومن ثم وجب اعتبار خطأ رجل الشرطة فى تلك الحالة خطأ شخصياً يستوجب مسئوليته عن التعويض من ماله الخاص.
وأضافت المحكمة أن الضابط الذى يرتكب التعذيب على أحد المواطنين بمناسبة وظيفته فإن هذا التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفته أصلا من الأصول المتعلقة بحقوق الإنسان، لذا فإنه يتحمل قيمة التعويض من ماله الخاص وليس من مال وزارة الداخلية باعتبار أن التعذيب يمثل خطأ شخصيا يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة الأمنية وخرقا دستوريا لما أولاه المشرع الدستورى لأول مرة فى الدستور المعدل لعام 2014 من إلزام العاملين بجهاز الشرطة بحماية حقوق الإنسان، كما أنه يتوجب إحالته إلى القضاء الجنائى لمحاكمته جنائيا عن واقعة التعذيب بحسبانه سلوكا ماديا وفقا لنموذج التجريم يخرج عن قيم المجتمع المحروسة من المشرع متصلا بالركن المعنوى عن علم ووعى بالملابسات التى تحيط بهذا السلوك، فضلا عن وجوب قيام وزارة الداخلية بمحاسبته تأديبيا عن هذا الفعل الذى يخرج خروجا صارخا عن مقتضيات واجبات ضابط الشرطة المنوط به كفالة الطمأنينة والامن للمواطنين والسهر على حفظ النظام العام والآداب العامة والالتزام بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات والاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
وقرر المشرع فى قانون هيئة الشرطة أنه يجب على الضابط مراعاة أحكام هذا القانون وتنفيذها، وعليه كذلك أن يحافظ على كرامة وظيفته طبقا للعرف العام وأن يسلك فى تصرفاته مسلكا يتفق والاحترام الواجب لها، كما أنه بموجب هذا القانون يسرى على أعضاء هيئة الشرطة مالا يتعارض مع هذا القانون من الأحكام الواردة فى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وفى قانون التأمين الاجتماعى ولما كان قانون هيئة الشرطة خلا من تنظيم المسئولية المدنية للضابط عن خطأه الشخصى فإنه يتعين سريان المبدأ الوارد فى نظام العاملين المدنيين بالدولة الذى حدثت الواقعة محل النزاع فى ظله ومن بعده قانون الخدمة المدنية، وهو الشريعة العامة الواجبة التطبيق، أن الموظف لا يسأل مدنياً إلا عن خطأه الشخصى .
وأكدت المحكمة فى حكمها التاريخى أن مفهوم الأمن فى الفكر الحديث تحول من منظور ضيق كان قاصرا على جهاز الشرطة إلى نظرة أعم وأشمل جعلت منه مسئولية قومية يشارك فيها كل أفراد المجتمع إذ أضحى مفهوم الأمن شراكة بين كل أجهزة الدولة وكافة قطاعات الجمهور، وتعتبر العلاقة بين الشرطة والجمهور من أهم القضايا الأمنية لأن مساهمة الجمهور فى حفظ الأمن وتعاونه مع الشرطة يعد من مقتضيات الفاعلية لكشف الجريمة، خاصة أن الإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الجرائم المقترفة يفوق إلى حد كبير عدد الجرائم المكتشفة الأمر الذى يبرز أهمية وضرورة التعاون الوثيق بين الشرطة والجمهور فى تحقيق الأمن وما يقتضيه ذلك من وجوب اتسام العلاقة بينهما بالحميمية بدلا من افتقارها إلى التفاهم والتعاون وسوء الظن إذ يجب على رجال هيئة الشرطة المنوط بهم حماية أرواح وأموال المواطنين عدم الاعتداء بالتعذيب أو بما من شأنه أن ينال من كرامة الإنسان لأن القيام بذلك يبث الكراهية فى نفوس المواطنين تجاه رجال الشرطة بحسبانهم المنوط بهم إغداق حمايتهم وليس اقتراف تعذيبهم أو النيل من كرامتهم فرجل الشرطة حينما يخطئ أويسلك مسلكًا معيبًا فإنه يؤدى إلى انعكاسات سلبية على علاقته مع المواطنين ويجب مواجهتها بحسم وردعها بالكيفية التى تتناسب مع خطورتها لأن الأصل أن الشرطة تؤدى وظيفتها فى خدمة الشعب باعتباره واجبا دستوريا يبلور رسالة الشرطة فى علاقاتها بالشعب لهذا كان لزامًا أن تكون ممارستها تحت إشراف السلطة القضائية ضمانا لعدم إساءة استخدامها.
وذكرت المحكمة أنه نظرا لخطورة الآثار المترتبة على التعذيب لمستقبل الضابط فإنه يلزم إقامة الدليل عليه، ولما كان المدعى نسب إلى الضابط محمد أحمد زايد رئيس مباحث إيتاى البارود آنذاك أنه قام بتعذيبه اعتبارا من 18/5/2004 حتى يوم 21/5/2004، وأنه حرر عن هذه الواقعة المحضر رقم 5397 لسنة 2004 إدارى إيتاى البارود، وذكر فى عريضة دعواه أن النيابة العامة قامت بحفظ هذا المحضر بتاريخ 7/2/2005 لعدم كفاية الأدلة وقد كلفته المحكمة على مدار عدة جلسات أن يقدم بكافة طرق الإثبات ما يفيد تعرضه للتعذيب وصرحت له باستخراج صورة رسمية من التقرير الطبى الذى قدم صورة ضوئية منه غير ممهورة بخاتم الجمهورية أو بأى خاتم للمستشفى، إلا أنه لم يقدم هذا أو ذاك مما لا تطمئن معه المحكمة لهذه الورقة المرسلة، وإذ استقرت محكمة النقض على أن أمر الحفظ الذى تصدره النيابة العامة بعد قيامها بأى إجراء من إجراءات التحقيق هو فى صحيح القانون أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بمجرد صدوره حجيته فى مواجهة كافة الخصوم فى الدعوى، ومقتضى هذه الحجية امتناع العودة إلى الدعوى إلا فى الحالات وبالكيفية التى قررها الشارع فى المواد 210، 211، 213 من قانون الإجراءات الجنائية، ولو جاء الأمر فى صيغة الحفظ الإدارى، وسواء كان مسبباً أم لم يكن.
كما أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية له قوة الأمر المقضى به يمتنع معه تحرك الدعوى الجنائية من بعد صدوره ما لم تظهر أدلة جديدة قبل انقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة أو يصدر النائب العام قراراً بإلغاء الأمر خلال المدة المنصوص عليها فى المادة 212 من قانون الإجراءات الجنائية.
وإن ادعاء المدعى أنه قد تعرض للتعذيب على يد الضابط المذكور دون أن يقيم الدليل عليه وعجز عن إثبات دعواه رغم تكليفه بذلك عدة جلسات حال أن النيابة العامة قد حفظت المحضر المشار إليه لعدم كفاية الأدلة فإن ادعاءه - والحال كذلك- يكون مرسلا وينتفى معه ركن الخطأ فى جانب وزارة الداخلية بحسبانها المتبوع المسئول عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى ثبت فى حقه وكان واقعا منه فى حال تأدية وظيفته أو بسببها وهو ما خلت الأوراق من ثبوته وتنهار معه باقى أركان المسئولية، ويضحى طلب المدعى بإلزام وزارة الداخلية بالتعويض قائما على غير أساس سليم من الواقع أو القانون مما يتعين معه الحكم برفض الدعوى.
وذكرت المحكمة أنه لا يحاج فى هذا المقام ما ذكره المدعى من أن قرار النيابة العامة بالحفظ فيه إجحاف بحقوقه، ذلك أنه كان بإمكانه التظلم منه لدى النائب العام وفقًا للإجراءات المقررة قانونًا، فضلًا عن أن المستقر عليه فى قضاء المحكمة الإدارية العليا وقضاء محكمة النقض أنه لا يجوز التعويض عن أعمال السلطة القضائية سواء الأحكام الصادرة فى الدعاوى الجنائية أو التأديبية وكذلك الإجراءات المتعلقة بعمل النيابة العامه بوصفها قرارات قضائية ينحسر عنها وصف القرارات الإدارية فإجراءات التحقيق والمحاكمة وما تبعه يعتبر من قبيل الأعمال القضائية التى لا يجوز المطالبة بالتعويض عنها .
وأما عن دعوى الضمان الفرعية المقامة من وزير الداخلية بصفته ضد الضابط المذكور لتحميله فى ماله الخاص ما عساه أن تحكم به المحكمة فى الدعوى الأصلية، فقالت المحكمة إن المستقر عليه فى قضاء الإدارية العليا والنقض أن دعوى الضمان الفرعية هى دعوى مستقلة بكيانها عن الدعوى الأصلية ولا تعتبر دفاعاً ولا دفعًا فيها وإن لكل منها ذاتيتها واستقلالها بما ينبنى عليه أنه يجوز للمضرور أو طالب الضمان أن يطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى الأًصلية استقلالا دون انتظار الفصل فى طلب الضمان، كما أن المادة (120) من قانون المرافعات لم تلزم المحاكم بالفصل فى الدعوى الأصلية بطلب التعويض وفى طلب الضمان فجاءت صياغته بأن يقضى فى طلب الضمان وفى الدعوى الأصلية بحكم واحد كلما أمكن ذلك وإلا فصلت المحكمة فى طلب الضمان بعد الحكم فى الدعوى الأصلية، وإذ كانت الجهة الإدارية المدعية فى هذه الدعوى تبتغى الحكم بإلزام المدعى عليه "الضابط" لتحميله فى ماله الخاص ما عساه أن تحكم به المحكمة فى الدعوى الأصلية، ولما كان ما تقدم وكانت المحكمة قضت برفض الدعوى الأصلية فى هذه الدعوى، ومن ثم فلا يوجد ثمة نزاع ثائر فى الدعوى الفرعية بينها وبين المدعى عليه فيها ومن ثم فقد انتفى النزاع بينهما، الأمر الذى تقضى معه المحكمة بعدم قبول هذه الدعوى الفرعية لانتفاء النزاع فيها.
وذكرت المحكمة أن المشرع الدستورى كذلك ارتقى بالحماية الدستورية للحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وجعل كل اعتداء على إحداهما وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وأجاز للمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر وألزم الدولة أن تكفل تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء ومنح المشرع الدستورى للمجلس القومى لحقوق الإنسان الحق فى إبلاغ النيابة العامة عن أى انتهاك لهذه الحقوق وله أن يتدخل فى الدعوى المدنية منضما إلى المضرور بناء على طلبه.
وأشارت المحكمة إلى أن القاعدة التقليدية فى مجال قيام مسئولية الإدارة على أساس ركن الخطأ قد حرصت على التمييز والتفرقة بين الخطأ المرفقى أو المصلحى la faute de la service الذى ينسب فيه الإهمال أو التقصير إلى المرفق العام ذاته، وبين الخطأ الشخصى faute personnellela الذى ينسب فيه الإهمال أو التقصير إلى الموظف ذاته، ففى الحالة الأولى تقع المسئولية على عاتق الإدارة وحدها ولا يسأل الموظف عن أخطائه المصلحية والإدارة هى التى تدفع التعويض، وفى الحالة الثانية تقع المسئولية على عاتق الموظف شخصياً، فيسأل الموظف عن خطأه الشخصى وينفذ الحكم قى أمواله الخاصة.
واختتمت المحكمة حكمها أن نظرية الخطأ الشخصى من ابتداع القضاء الإدارى لضمان حسن سير المرفق العامة بانتظام وإطراد، وحتى لا يحجم عمال تلك المرافق عن القيام بواجباتهم الوظيفية خشية المسئولية عن كل ما يقع منهم من أخطاء بمناسبة تسيير المرافق العامة، فقامت هذه النظرية على أساس التفرقة بين الخطأ الشخصى بمعاييره وضوابطه المحددة، وبين الخطأ المرفقى الذى يقع من عامل معرض للخطأ والصواب وبمناسبة تسيير المرافق العامة، وقد كان القضاء الإدارى المصرى سباقاً عن المشرع فى خلق وابتداع تلك النظرية، وقد لحقه المشرع المصرى إذ قنن هذه النظرية بالنص عليها بداءة فى المادة (58) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964، ثم بالمادة (55/3) من القانون رقم 58 لسنة 1971، وبالمادة (78) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 بأن نص على أن " لا يسأل العامل مدنياً إلا عن خطأه الشخصى"، وأخيرا بمقتضى المادة 55 من القانون رقم 18 لسنة 2015 بإصدار قانون الخدمة المدنية والتى جرها نصها على أنه "ولا يسأل الموظف مدنيا إلا عن خطأه الشخصى ".