حلقة جديدة من مسلسل حرب الجواسيس بين روسيا والغرب كشفت عنه صحيفة "نيويورك تايمز"، حيث قالت إن روسيا سعت إلى قتل "منشق" فى فلوريدا، وإن المخطط الفاشل لاغتيال المنشق الذى عمل جاسوسا للسى آى إيه فى 2020، قد أدى جزئيا إلى طرد مدير مكتب الوكالة فى موسكو ونظيره الروسى فى واشنطن.
وأشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين قد لاحق الأعداء من الخارج، وبدا أن جهاز الاستخبارات الروسى قد استعد لتجاوز خط تم تجنبه فى السابق، وهو محاولة قتل مخبر "قيم" للحكومة الأمريكية على أرض أمريكية.
وأوضحت الصحيفة أن العملية السرية، التي سعت إلى القضاء على مخبر للسى آى إيه فى ميامى، والذى كان مسئولا رفيع المستوى فى الاستخبارات الروسية قبل أكثر من عقد، مثلت ما وصفته الصحيفة تفسيرا وقحا لحملة بوتين من الاغتيالات المستهدفة. كما أنه مثل أيضا نقطة تدنى خطيرة حتى بين أجهزة الاستخبارات التي لديها تاريخ طويل من التوتر.
وقال مارك بولمروبولس، الضابط السابق فى السى آي إيه، الذى أشرف على العمليات فى أوروبا وروسيا، إن الخطوط الحمراء تلاشت بالنسبة لبوتين منذ فترة طويلة، وإنه يريد كل هؤلاء الرجال موتى.
وفشلت محاولة الاغتيال، لكن ما حدث بعد ذلك تحول إلى انتقام واحدة بواحدة من قبل الولايات المتحدة وروسيا، وفقا لثلاثة مسئولين أمريكيين سابقين رفضوا الكشف عن هويتهم لمناقشة جوانب "المؤامرة" التي كان الهدف أن تكون سرية وتداعياتها. وتبع ذلك عقوبات وطرد بما فى ذلك كبار مسئولي الاستخبارات فى واشنطن وموسكو.
وكان المستهدف فى هذه المؤامرة أليكسندر بوتييف، مسئول الاستخبارات الروسية السابق الذى كشف عن معلومات أدت إلى تحقيق استمر لسنوات من قبل "الإف بى آي"، والذى كشف فى 2020 عن 11 جاسوسا يعيشون تحت غطاء سرى فى مدن وضواحى على طول الساحل الشرقى للولايات المتحدة. واتخذوا أسماء مستعارة وعملوا فى وظائف عادية كجزء من محاولة غامضة من قبل وكالة الاستخبارات الأجنبية الروسية لجمع المعلومات وتجنيد مزيد من العملاء.
وتماشيا مع جهود إدارة أوباما لإعادة ضبط العلاقات، تم إبرام اتفاق سعى لتخفيف التوتر، وتم القبض على 11 من الجواسيس وطردهم إلى روسيا. فى المقابل، أطلقت موسكو سراح أربعة سجناء روس، من بينهم سيرجى سكربال، العقيد السابق فى الاستخبارات الروسية الذى تمت إدانته فى عام 2006 ببيع أسرار إلى بريطانيا.
وتم الكشف عن محاولة اغتيال بوتييف فى النسخة البريطانية من كتاب "جواسيس الحرب الاستخباراتية الملحمية بين الشرق والغرب"، والذى سينشر فى وقت لاحق هذا الشهر. وألف الكتاب كالد والتون، العالم فى الأمن القومى والاستخبارات فى جامعة هارفارد.
ووفقا للكتاب، فإن أحد المسئولين بالكرملين أكد أن قاتلا مأجورا كان يلاحق بوتييف بالتأكيد. وتقول نيويورك تايمز: "طالما استخدم الروس القتلة لإسكات الأعداء المتصورين. ومن بين أشهر هؤلاء القتلة داخل مقر الاستخبارات الروسية S.V.R فى موسكو الكولونيل جريجورى مايرنوفكسى، عالم الكيماويات الذى قام بتجربة سموم قاتلة وفقا لأحد مسئولي الاستخبارات السابقين. ولم يخف بوتين، الذى كان عميلا فى جهاز الاستخبارات السوفيتى كى جى بى، استياءه الشديد من المنشقين بين صفوف الاستخبارات، خاصة الذين يساعدون الغرب".
وكان تسمم سكريبال على يد عملاء روس فى بريطانيا فى 2018 تصعيدا فى الأساليب التي تستخدمها موسكو، وأدت المخاوف من أنها لن تتردد لفعل الأمر نفسه داخل أمريكا.
وتسبب الهجوم، الذى تم باستخدام غاز الأعصاب لإمراض سكريبال وابنته فى موجة من الطرد الدبلوماسي حول العالم، وحشدت بريطانيا دعم الحلفاء فى محاولة لإصدار رد قوى. وأثار الحادث القلق داخل السى آي إيه، حيث شعر مسئولوه بالقلق من أن الجواسيس السابقين الذين تم توطينهم فى الولايات المتحدة مثل بوتييف، سيصبحون أهداف قريبا.
وطالما تعهد بوتين بمعاقبة بوتييف، لكن قبل أن يتم القبض عليه، فر بوتييف إلى الولايات المتحدة وقام السى آى إيه بإعادة توطينه وفقا برنامج عال السرية لحماية الجواسيس السابقين، وفى عام 2011، حكمت محكمة روسية عليه غيابيا بالسجن لعقود.
وبدا أن بوتييف قد اختفى، لكن فى مرحلة ما أرسلت الاستخبارات الروسية عملاءها على الولايات المتحدة للعثور عليه، وإن كانت نواياها ظلت غير واضحة. وفى عام 2016 ذكر الإعلام الروسى أنه قد مات فيما اعتقد بعض خبراء الاستخبارات أنه محاولة لإخراجه من مخبئة. وكان بوتييف يعيش فى منطقة بميامى.
وحصل على رخصة صيد، وتم تسجيله كجمهورى حتى يتسنى له التصويت فى الانتخابات، وفقا لسجلات الولاية. وفى 2018، كشفت إحدى وسائل الإعلام عن مكانه.
وفى عام 2019 قام الروس بعملية استكشاف للعثور عليه بوتييف وتم إجبار عالم من موسكو على المساعدة. هذا العالم هو هيكتور اليخاندرو كابيرا فونيتيس، الذى درس علم الاحياء الدقيقة فى كازان، وحصل على الدكتوراه من جامعة جيسين بألمانيا.
لكن الروس استخدمه شريكته للضغط عليه. وكان لدى فونيتيس زوجتيه، روسية تعيش فى ألمانيا وأخرى فى المكسيك. وفى عام 2019، لم يتم السماح لزوجته الروسية وابنتيه بمغادرة البلاد مع محاولتهما العودة إلى ألمانيا. وعندما قان فونيتيس بزيارتهم، تواصل معه مسئول روسى وطلب منه رؤيته فى موسكو، وفى أحد الاجتماعات ذكر المسئول العالم بأن عائلته عالقة فى روسيا، وأنه "يمكنهم مساعدة بعضهم البعض".
وبعدها بأشهر قليلة، طلب المسئول من فونيتيس تأمين شقة فى شمال ميامى بيتش، حيث كان يعيش بوتييف. وتم توجيهه بعد استئجار الشقة باسمه، ودفع فونتيس أحد المساعدين 20 ألف دولار لفعل ذلك.
وفى فبراير 2020، سافر فونيتسس إلى موسكو حيث التقى مجددا بالمسئول الروسى الذى قدم له وصفا بعربة بوتييف. وطلب منه إيجاده والحصول على أرقامها وأخذ ملاحظات بمواقعها. ومنعه من التقاط صور على افتراض القضاء على أي دليلة يمكن أن يجرمه.
لكن فوينتيس أفسد العملية، فبينما كان يقود عبر المجمع السكنى، حاول تجاوز بوابة الدخول بتجاوز سيارة أخرى، مما لفت انتباه الأمن. وعندما تم استجوابه، سارت زوجته بعيدا لتصوير لوحة سيارة بوتييف.
وتمت مطالبة فونتيس وزوجته بالمغادرة لكن الكاميرات الأمنية سجلت الحادث. وبعد يومين، حاول السفر إلى المكسيك، لكن السلطات الأمريكية أوقفته وفتشوا هاتفه واكتشفوا صور سيارة بوتييف.
وبعد القبض عليه، قدم فونيتيس تفاصيل الخطة للمحققين الأمنيين الذين اعتقدوا أن المسئول الروسى الذى التقى به كان يعمل لصالح جها الأمن الداخلى الروسى، لكن العمليات السرية فى الخارج عادة ما تدار من قبل جها إس فى آر.