دعا أحمد لطفى السيد جماعة من أصدقائه ومعارفه من الأعيان والمثقفين إلى اجتماع بفندق الكونتننتال، حضره كل من محمد محمود وعمر سلطان وأحمد حجازى ومحمود عبدالغفار، وعرض عليهم فكرة إنشاء جريدة وصفها بأنها «مصرية حرة، تنطق بلسان مصر وحدها دون أن يكون لها ميل خاص إلى تركيا أو إلى إحدى السلطتين الشرعية والفعلية فى البلاد»، حسبما يذكر فى مذكراته «قصة حياتى».
يوضح «السيد» أسباب تفكيره فى هذه الجريدة التى أصبحت فيما بعد لسان حزب الأمة، قائلا: إنها جاءت وقت إثارة مشكلة «العقبة»، حيث كان الأتراك يدعون أنها لهم، والإنجليز يقولون إنها ملك لمصر، وكانت الجرائد الوطنية تنصر الأتراك على الإنجليز فى هذه المشكلة.. يضيف: «فى هذه الأثناء تحدثت فى أحوالنا السياسية مع صديقى محمد محمود باشا، وكان وقتئذ سكرتيرا لمستشار نظارة الداخلية، وكان حديثى يتناول مسألة العقبة، وما يجب لمصر فى ظروفها السياسية من إنشاء جريدة مصرية خالصة، ورأينا أن تكون هذه الجريدة ملكا لشركة من الأعيان أصحاب المصالح الحقيقية، الذين كان يصفهم اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى وغيره من الإنجليز بأنهم راضون عن الاحتلال ساكتون عن حقوق مصر، وأن الحركة المعارضة للاحتلال إنما يقوم بها من ليست لهم مصالح حقيقية فى البلاد كالشبان الأفندية والباشوات الأتراك، ولهذا الغرض دعوت فى الكونتننتال أصدقاءنا، وتحدثنا فى الأمر».
يكشف «السيد»، أنهم فى اجتماع الكونتنتنال تحدثوا عن خيبة أملهم فى الاعتماد على فرنسا فى المساعدة على زوال الاحتلال الإنجليزى من مصر، وأنهم تأكدوا أنه على مصر أن تعتمد على نفسها فى المطالبة بالحرية والاستقلال.. يذكر: «تبادلنا الرأى نحن المجتمعين فى هذا الموقف، ووضعنا الخطة التى نسير عليها، وعينا المبادئ التى تقوم عليها جريدة حرة مستقلة غير متصلة بسراى الخديو، ولا بالوكالة البريطانية، وأخذنا نسعى فى إقناع أصدقائنا ومعارفنا من أعيان البلاد، وألفنا فى بيت محمود باشا سليمان شركة «الجريدة»، وانتخبت أنا مديرا لها ورئيسا لتحريرها لمدة عشر سنوات، وكان رئيس الشركة محمود باشا سليمان، ووكيلها حسن باشا عبدالرازق».
يذكر الكاتب الصحفى صبرى أبوالمجد فى الجزء الأول من كتابه «سنوات ما قبل الثورة 1930-1952»، أن الاجتماع الأول للجريدة فى منزل محمود سليمان باشا كان بتاريخ 23 يونيو، مثل هذا اليوم، 1906، حيث قرر المجتمعون تأسيس شركة خاصة الغرض منها إنشاء مطبعة وجريدة مصرية تدافع عن مصالح البلاد.
ويذكر الدكتور أحمد زكريا الشلق فى كتابه «حزب الأمة ودوره فى السياسة المصرية»، أنه جاء فى نص محضر هذا الاجتماع: «اجتمع الموقعون على هذا بمنزل سعادة محمود باشا سليمان، وقرروا تأسيس شركة محاصة الغرض منها إنشاء مطبعة وجريدة وطنية مصرية تدافع عن مصالح البلاد، وترشد الرأى العام إلى المنافع الحقيقية للأمة بأسرها، وقد اختاروا من بينهم أصحاب السعادة محمود باشا سليمان وحسن باشا عبدالرازق وإبراهيم سعيد باشا وإسماعيل أباظة باشا وباسيلى تادرس باشا وأحمد يحيى باشا وإبراهيم مراد باشا وطلبة سعودى ومحمود عبدالغفار وعمر سلطان.. إلخ، لوضع قانون لهذه الشركة تبيت فيه شروطها واختصاص مجلس إدارتها وجمعيتها العمومية وقيمة رأسمالها، وتوضح خطة الجريدة طبقا للمبدأ المتقدم ذكره وما يتبع ذلك من تسمية الشركة والجريدة وغيرها».
يتحدث لطفى السيد عن اتهام الشركة بمحاباة أو مهادنة الاحتلال الإنجليزى، قائلا: «بعد تأليف هذه الشركة، أخذت الجرائد المتصلة بالخديو عباس الثانى تتهمنا بأننا متصلون بالإنجليز، وأننا نمالئهم ضد الخديو، وقد كان لهم عذر فى هذا الاتهام، لأنه كان بين شركائنا فى «الجريدة» عدا الأعيان طائفة من كبار الموظفين المصريين فى الوقت الذى سيطر فيه الإنجليز على الحكومة، ومن هؤلاء أحمد فتحى زغلول باشا رئيس محكمة مصر «شقيق سعد زغلول»، وأحمد عفيفى باشا المستشار بالاستئناف، وعبدالخالق باشا عضو لجنة المراقبة وصاحب الأثر الكبير فى وزارة العدل، ومن الطريف أنه كانت هناك جريدة يصدرها حافظ عوض باسم «خيال الظل» نشر أبياتا ينسبها إلى أحمد شوقى جاء فيها: «ما فى الجريدة من نرجيه/ سوى لطفى.
يعترف «السيد» أن اتهامهم بممالأة الإنجليز ظل عالقا بالجريدة حتى ظهرت بعد 6 أشهر من تأليف الشركاء فى 9 مارس سنة 1907، وافتتحتها بمقال تضمن أغراضها ومبادئها، جاء فيه: «ما الجريدة إلا صحيفة مصرية شعارها الاعتدال الصريح، ومراميها إرشاد الأمة المصرية إلى أسباب الرقى الصحيح، والحض على الأخذ بها، وإخلاص النصح للحكومة والأمية بتبين ما هو خير و أولى، تنقد أعمال الأفراد وأعمال الحكومة بحرية تامة، أساسها حسن الظن من غير تعرض للموظفين والأفراد فى أشخاصهم وأعمالهم التى لا مساس لها بجسم الكل الذى لا ينقسم وهو الأمة».