طرحت أحداث العنف الدينى التى شهدتها محافظة المنيا، السؤال "لماذا يرفض السلفيون بناء كنائس فى مصر؟، حيث تسببت شائعات عن بناء كنيسة جديدة فى هجوم متطرفين على منازل الأقباط فى المنيا وفقًا لما أعلنت عنه الكنيسة القبطية رسميًا.
ابن القيم يحرم بناء الكنائس
يرجع السبب فى تحريم بناء الكنائس أو ترميمها إلى بعض الفتاوى السلفية المتشددة التى تمنع ذلك مثل ما ذهب إليه ابن القيم فى كتابه (أحكام أهل الذمة) حيث قسم البلاد التى تفرق فيها أهل الذمة إلى ثلاثة أقسام الأولى بلاد أنشأها المسلمون فى الإسلام، والثانية بلاد أنشئت قبل الإسلام، فافتتحها المسلمون عَنوة وملكوا أرضها وساكنيها مثل مصر والشام، والثالثة بلاد أنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صلحاً.
يقول ابن القيم عن البلاد التى أنشأها المسلمون فى عصر الاسلام مثل البصرة والكوفة و وسط وبغداد والقاهرة ، فهذه البلاد صافية للإمام، إن أراد الإمام أن يقرَّ أهل الذمة فيها بدفع الجزية يجوز له، ولا يحق له أن يسمح لهم ببناء كنيسة أو ذبح خنزير وإن اشترط عليه أهل الذمة ذلك يصبح العقد بينهم فاسدا.
أما عن حكم الكنائس المبنية فى البلاد التى فتحها المسلمون عنوة مثل مصر، فلا يجوز أن يستحدث فيها شىء من الكنائس، أما ما كان فيها قبل الفتح فاختلف الآئمة حول تركه أو هدمه، فهناك قولان فى مذهب أحمد ابن حنبل الأول يوجب ازالة تلك الكنائس والثانى يحلل ترميمها أى بناء أهل الكتاب لها لا المسلمون، لقول ابن عباس رضى الله عنهما: أيما مصر مصرته العجم، ففتحه الله على العرب فنزلوه، فإن للعجم ما فى عهدهم، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر عنوة وأقرهم على معابدهم فيها ولم يهدمها،
ابن القيم يؤكد أن الرسول لم يهدم معابد اليهود
وعلى الرغم من فتاوى ابن القيم المتشددة التى تحرم بناء الكنائس فإن كتابه يؤكد أن الرسول عليه الصلاة والسلام رفض هدم معابد اليهود فى خيبر وكذلك فعل الصحابة الذين امتنعوا عن هدم أية كنائس فى البلاد التى فتحوها.
وينتهى ابن القيم إلى نتيجة فى كتابه تمنح ولى الأمر الحق فى أن يفعل الأصح لبلاد المسلمين فإن كان أخذ الكنيسة من أهل الذمة وإزالتها هى المصلحة لكثرة الكنائس أو حاجة المسلمين إلى بعضها وقلة أهل الذمة، فله أخذها أو إزالتها بحسب المصلحة، وإن كان تركها أصلح لكثرتهم وحاجتهم إليها وغنى المسلمين عنها تركها.
أبو الحسن الأشعرى: بناء الكنائس كفر بالإسلام
أما ابن تيمية فيحرم تحريمًا شديدًا العمل على بناء الكنائس ومساعدة أهل الذمة فى ذلك لأنه حسب قوله إعانة لهم فى كفرهم، ويذكر موقع أهل الحديث السلفى أربعة مذاهب فى مسألة بناء الكنائس، بينهم المذهب الأول الذى يكفر من يبنى كنيسة
يؤكد أصحاب هذا المذهب أن الإمام أبو الحسن الأشعرى رحمه الله ، قد ذهب إلى أنّ بناء الكنائس كفر،إذا بناها المسلم فقال رحمه الله : " إنّ بناء الكنائس كفر إذا بناها مسلم ، ويكون ردة فى حقه لاستلزامه إرادة الكفر "
أما المذهب الثانـى فى قضية بناء الكنائس هو مذهب التحريم وقد ذهب إلى تحريم بناء الكنائس والعمل على تشييدها وإقامتها جماهير الفقهاء ، وهو قول المالكية والحنابلة وجمهور الشافعية وهو قول الصاحبين ـ أبى يوسف ومحمد ـ من الحنفية.
وأما مذهب الإمام أحمد فينقله ابن تيمية فى اقتضاء الصراط المستقيم قائلاً : " وأما مذهب أحمد فى الإجارة لعمل ناووس ونحوه فقال الآمدى لا يجوز رواية واحدة لأن المنفعة المعقود عليها محرمة وكذلك الإجارة لبناء كنيسة أو بيعة أو صومعة كالإجارة لكَتْب كتبهم المحرفة."
دار الافتاء المصرية: لا يوجد نص شرعى يحرم بنائها
على العكس من ذلك أحلت دار الافتاء المصرية أن بناء الكنائس فى ظل دولة الإسلام وفق لوائح وقوانين الدولة، مؤكدة عدم وجود نص شرعى صحيح صريح يمنع بناء دور العبادة ببلاد المسلمين.
ونصت فتوى الافتاء على إنه وفقًا للشريعة الإسلامية بناءُ الكنائس فى ظل الدولة الإسلامية، إذا احتاجوا إلى ذلك فى عباداتهم وشعائرهم التى أقرهم الإسلام على البقاء عليها، وذلك وفق اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة المصرية فى ذلك؛ حيث لم يَرِدْ فى الشرع الحنيف المنعُ من ذلك فى شىء مِن النصوص الصحيحة الصريحة، وأنه طبقا لذلك جرى العمل عبر العصور المختلفة، ووفق اللوائح والقوانين التى تنظمها الدولة المصرية فى ذلك الأمر.
وذكرت دار الإفتاء، أنه لا يخفى أن سماح الدولة الإسلامية لرعاياها ومواطنيها من أهل الكتاب ببناء الكنائس ودور العبادة عند حاجتهم لذلك يعد هو المصلحة الراجحة والرأى الصائب التى دلت عليه عمومات النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، وأكدها عمل المسلمين عبر العصور والأمصار، وأيدتها المقاصد الكلية ومرامى الشريعة هذا بالإضافة إلى المتغيرات العالمية والدولية والإقليمية والمحلية، وقيام الدولة المدنية الحديثة على مفهوم المواطنة الذى أقره النبى صلى الله عليه وسلم فى معاهدة المدينة المنورة، ومبدأ المعاملة بالمثل بين الدول.