ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة، أن تصبح الكاميرا فاعلا فى الأحداث، وأن يثير نشر فيديو أو صورة جدلا ويتسبب فى مشكلات وقضايا، الخيط الفاصل بين العمومية والخصوصية.
ومنذ دخلت الكاميرا على الموبايل تغير العالم، الدنيا قبل الموبايل والكاميرا والسوشيال ميديا، تختلف عنها بعدها، تغيرت الكثير من المفاهيم حول الخاص والعام، ومساحة الحرية المتاحة للفرد خارج حدود منزله، وحتى داخله.
وقد جدد نشر مقطع فيديو لسيدة ترقص فى حفل زفاف، النقاش من دون الوصول إلى نتيجة، بين من هاجم السيدة، وقال إنها ارتكبت خطأ، ومن انتقد من صور ونشر، ووصل الأمر إلى نقاش ممتد يتناول كل النقاط المطروحة من سنوات، حالة الرقص، الجدل ما زال قائما، هل كانت السيدة تريد ركوب التريند؟، وتستهدف انتشارا على مواقع التواصل؟، أم أن النشر والتصوير تم رغما عنها؟، ومن صفات عالم التواصل أن الحقيقة تختفى خلف زحام المعلومات والتقارير والمداخلات.
وإذا كان التصوير والنشر دون إذن يثير جدلا، فإن عرض الوقائع والحالات الشخصية يمثل هو الآخر وجها من وجوه الإثارة، ونقصد به حالة البلوجر الذى صور ونشر فيديو لوفاة والده واحتضاره، فى سيارة الإسعاف، وفى النعش، حتى نزول القبر، وطبعا أثار النشر جدلا وحقق مشاهدات، وبرر البلوجر الأمر «كنت بمر بمرحلة صعبة جدا، وكنت عايز أكتر عدد من الناس تدعى لوالدى وتترحم عليه»، ونشر الشاب على حسابه بتيك توك مقاطع توثق وفاة والده من الاحتضار فى سيارة الإسعاف حتى وصوله للمقابر، وكتب على الفيديو «كانت آخر مرة أشوف أبويا فاتح عينه، ربنا يرحمك يا بابا، وأثناء تشييعه إلى المقابر كتب: «أبويا مات، خلاص سندى فى الدنيا مات، شيروا الفيديو عشان الناس تدعيله».
وطبعا بعد النشر تعرض لهجوم وانتقادات، ومشاهدات كثيرة ممن وافقوا ومن رفضوا، ولهذا أراد تبرير النشر، وقال فى مداخلة مع عزة مصطفى فى صالة التحرير «الفيديو اللى عملته ووثقت فيه وفاة والدى عمل مليون و600 ألف مشاهدة».
ويبدو أن هذا هو الهدف من النشر، لكن الأمر تحول إلى نقاش حاد واتهام للشاب بالبحث عن الشهرة والمشاهدات، واضطر لإعادة الحكاية وقال: «صورت والدى قبل ما ندفنه وكنت هحتفظ بالفيديو ليا أنا ولكن فيه حد قالى نزله علشان الناس تدعى لوالدك وقالى دى مفيهاش أى غلط».
وطبعا هناك من عبر عن استيائه من الفيديو، وقدم بلاغات ضد الشاب يتهمه بهتك حرمة الموتى، فقال الشاب: «المحامى بتاعى طلب منى أخفى بعض الفيديوهات اللى نشرتها وممسحتش حاجة، لو فيه 30% انتقدونى فيه 70% تعاطفوا معايا.. اللى عملته أى حد بلوجر بيعمله، ومعرفش إن الناس عقولها بقت بالطريقة دى، وإن الموضوع فيه حرمانية أنا مصورتش موقف مخل».
فى المجمل بدا الشاب راضيا عن نتائج عمله، وقال إن الأغلبية دعوا لوالده، وإن لم يلتفت إلى أنهم دعوا لوالده، ودعوا عليه هو شخصيا ووجهوا له انتقادات وصفوه بالقسوة والمتاجرة بموت أبيه.
الواقع أن حالة هذا الشاب، هى جزء من سياق اتخذه بلوجرز مشاهير، حققوا الشهرة والمال من عرض تفاصيل حياتهم اليومية وخصوصياتهم، باعتبار هذه الخصوصيات هى الأكثر جذبا للمشاهدات، وأن إثارة الجدل هدف أساسى لتحقيق المشاهدة، وهؤلاء يسيرون فى مدرسة نجمة تليفزيون الواقع «كيم كاردشيان»، وعشرات مثلها، يثيرون انقساما يعكس شكل وتركيبة سكان العالم الطبيعى، ممن يرتادون العالم الافتراضى، كل منهم يبحث عن شىء، البعض يبحث عن شهرة أو تريند أو مال، وهو الغالب بين كثيرين ممن لديهم استعداد لعرض وبيع أى شىء حتى ولو كان أدق خصوصياتهم، بحثا عن ربح سريع ووفير، حتى لو كان مقابل عرض حياتهم الخاصة وأدق تفاصيل خصوصياتهم، لتنفيذ تعاقدات هى فى الواقع أقرب إلى تعاقد الشيطان مع «فاوست» لشراء روحه مقابل أرباح هائلة.