تدخل امتحانات الثانوية مراحلها الأخيرة، تتجدد مناقشات وأحاديث كل بيت، وربما يحتاج أبناؤنا من الثانوية العامة إلى هدنة قبل أن ينخرطوا فى سباق البحث عن مكان فى جامعة يضمن لهم مكانا فى المستقبل، ثم إنهم يحتاجون إلى طريقة تسهل لهم البحث عن مكان مناسب لقدراتهم وفى نفس الوقت يوفر لهم فرص عمل.
وعلى مدى سنوات يبذل المصريون كل جهدهم لتعليم أبنائهم، ويمضون وقتا طويلا فى صراع من أجل الوصول بأبنائهم للثانوية العامة، يصارعون لإلحاقهم بالمدارس، ويخوضون صراع السن والشهور الناقصة والزائدة ليحصلوا لهم على مكان فى مدرسة حكومية أو خاصة أو تجريبية، لغات أو عربى، ويواصلون الصراع مع الدروس الخصوصية والمجموعات، يواصلون الإنفاق داخل وخارج المدرسة، يكبر أبناؤهم أمامهم، ويصل الصراع إلى قمته فى الثانوية العامة، والرهان على مجموع كبير حتى تكون لهم حرية اختيار الكلية التى يرغبون فيها وتؤهلهم للتوظيف والعمل، وحتى المجموع نفسه ربما لا يكون ضامنا فالأمر أصبح أكثر تعقيدا.
صحيح أن كل طلاب الثانوية العامة - تقريبا - يدخلون إلى الجامعات من خلال مكتب التنسيق بناء على المجموع، لكنهم عندما يتخرجون، قد لا يحصلون على عمل بتخصصاتهم، بينما تظهر فرص لا تجد من يشغلها، مكتب التنسيق يوفر عدالة شكلية، عدالة لا تضمن لخريجى الجامعات أن يحصلوا على مكان أفضل، حيث المجاميع لا تترجم إلى مراكز، هناك تخصصات فى التعليم لا يحتاجها سوق العمل، ويتكدس خريجوها بعشرات الآلاف بلا عمل، وفى المقابل هناك تخصصات فنية وعلمية، وصناعية يحتاجها السوق، وتضطر بعض الهيئات أو الشركات الكبرى للاستعانة بالأجانب لشغلها، الواقع الحالى أن الجامعات تضخ سنويا عشرات الآلاف من الخريجين يتكدس أغلبهم بلا عمل.
لا يوجد ما يمكن أن يسمى نهاية المطاف للطالب وأسرته، فيما يتعلق بالتعليم والتخصص، ولم يعد المجموع العالى أو مكتب التنسيق هو الباب لمستقبل مضمون، وربما نكون بحاجة الى سياقات ومسارات تساعد آلاف الشباب على تحديد اختياراتهم من الثانوية، ليضمنوا مكانا فى الجامعة يوصلهم إلى الحياة والاستقرار والعمل، والتعرف على المهارات التى يمكنها أن تساعدهم فى الحصول على فرصة تحقق لهم ذاتهم ماديا ومعنويا، حتى لا يتكدس الشباب فى واقع محبط يتوهون فيه وتضيع سنوات عمرهم بحثا عن مكان تحت الشمس.
وحتى كليات القمة التقليدية كالطب والصيدلة والهندسة لم تعد أبوابا للعمل، ومجرد محطات تتطلب المزيد من المهارات، طالب الطب يحتاج سنوات وأموالا ليواصل تعليمه ودراسته، خريج الهندسة لم يعد هو نفسه خريج السبعينيات الذى يحصل على عمل فور تخرجه، فيما يتعلق بالعمل والتوظيف هناك خيارات فرضتها التطورات العالمية تتيح فرص عمل مختلفة عبر العالم، لكنها بالطبع تتطلب مهارات أكثر من التعليم، مهارات فى اللغة والتكنولوجيا، لا تتناسب مع أنظمة الامتحانات التقليدية التى تتعامل مع الامتحان باعتباره غاية، بينما هو وسيلة لاختبار القدرة على الفهم، وسوق العمل لا علاقة له بأعداد وتخصصات الخريجين، والتقسيم القديم للقمة والقاع فى الكليات أو التفرقة بين الفنيين وأصحاب المؤهلات العليا، هو الذى خلق تقسيما لا علاقة له بالنتيجة وطبيعة العمل، فالمثل الأعلى قد يكون عالما أو لاعب كرة أو طبيبا أو مهندسا أو معلما، بينما المكاسب ترتبط أكثر بأهم حاجات الإنسان، الطعام والملابس والفسح والترفيه، فعليا كل مهنة فى العالم مهمة، وكل شخص مهيأ للقيام بدور ما.
إنهاء عقد وآلام الثانوية العامة هو بداية الخروج من واقع تعليمى شكلى إلى حقيقة تقود إلى مستقبل أفضل، وأن تكون الثانوية العامة مناسبة ليفرح التلاميذ وأهاليهم بنتيجة التعب والسعى والفهم والمذاكرة، ينظرون للمستقبل فى تفاؤل، وينتهى شعور الحزن والخوف، كأن التلميذ وأهله فى مأتم متواصل وخوف ورعب، فمن حصل على مجموع كبير يريد أكبر، ومن حصل على مجموع ضعيف أيضا يريد أكبر، لإرضاء آخرين وليس لإرضاء نفسه وطموحه، ويظل طوال الوقت خائفا من «بعبع» لا يعرف له ملامح.