فى عالم اليوم أصبحت الثقافة والفنون بمشتملاتها فى أهمية باقة متطلبات الحياة، ويكفى نظرة على حجم ما ينفقه الأفراد على الإنترنت والمنصات وما يتلقونه من بث مباشر وغير مباشر، لنعرف مدى تأثير هذا البث على الوعى، واستعراض حجم ما يتم ضخه وتداوله من معلومات وأفكار وتسالى وترفيه، وتبثه الشاشات كل لحظة لنعرف أن الأمر صناعة مستمرة تسهم فى صياغة العقول والقلوب بشكل معقد، ولم يعد إنتاج الثقافة حكرًا على جهة واحدة، لكن هناك منصات متعددة منتشرة فى كل مكان تصنع عالمًا افتراضيًا وطبيعيًا متداخلًا.
الثقافة والفنون فى هذا العصر سلع يمكن تسويقها وتدر عوائد، وهناك إنتاج ضخم اليوم للسينما والدراما يجتاح العالم، من خلال منصات استفادت ووظفت التطور التقنى والرقمى بشكل مضاعف، لدرجة أن منصة مثل نتفليكس نجحت فى منافسة شركات عريقة فى صناعة السينما والدراما.
هناك تأثير للتطورات التكنولوجية والتقنية، والديجيتال فيما يتعلق بإنتاج وعرض الدراما والسينما، والغناء يفرضها عصر الاتصال والتواصل، وتغيير أمزجة وتفاعل الجمهور، وتتضح هذه العناصر من مواسم سابقة، الأمر الذى يفرض تنويع منصات العرض وطرق التسويق.
ولا يكفى أن تمتلك أى دولة تراثًا فنيًا كبيرًا، لكنها تحتاج إلى أدوات تسويق وتوزيع هذا التراث، ليصل بسهولة إلى جمهور تثبت التجربة أنه متعطش إلى المنتج الجيد، ويتأثر به، ومن هنا يمكن تفهم النجاح الكبير الذى حققه حفل الأساتذة للنجم مدحت صالح فى دار الأوبرا، والذى هو انعكاس لحالة من الصحوة الفنية تستعيد تراث الفن المصرى.
بجانب الموسيقى، هناك انتعاش لمهرجانات السينما والمسرح والغناء والأنشطة الترفيهية، وهى منتجات تفرض نفسها وتتطلب تسويقًا رقميًا، بجانب العروض المباشرة، الحية التى لا تزال قادرة على جذب الجمهور وصياغة أمزجته.
وخلال الصيف الحالى تمتد حالة الانتعاش بفضل وجود جهات وكيانات قادرة على تنظيم ودعم وتسويق هذا المنتج، ومنها الدعم الذى تقدمه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التى تكسب كل يوم أرضًا فى سياق توسيع مجالات الإبداع الفنى، والدرامى، والأنشطة المتعددة التى تمثل سلعًا مهمة تستحق التسويق، من هنا تأتى أهمية مهرجان العلمين الجديدة فى دورته الأولى، كأكبر حدث ترفيهى، ويقدم تجربة جديدة تمزج الحفلات الموسيقية، بالأنشطة الرياضية والترفيهية، لتكون شاهدة على اكتمال العلمين الجديدة كإحدى أفضل الوجهات فى العالم، بعد أن كانت مجرد صحراء مزدحمة بالألغام منذ الحرب العالمية الثانية، خلال سنوات فقط تحولت إلى وجهة جذب سياحية، مهرجان العلمين يجمع بين الرياضى والترفيهى، وحفلات لفنانين محليين وعرب ودوليين، بطولة لكرة القدم الشاطئية، سباقات وعروض للطائرات RC، وللتجديف، وفى الصيف أيضًا تشهد مصر مهرجانات، منها المهرجان القومى للسينما المصرية فى دورة اليوبيل الفضى، برئاسة المخرج الكبير يسرى نصر الله، فى النصف الثانى من شهر سبتمبر المقبل، والدورة الأولى من مهرجان السينما العربية فى شرم الشيخ، 15 - 20 يوليو، وتم اختيار فيلم «قمر دمشق» لافتتاح دورة المهرجان الأولى وهو وثائقى يتناول سيرة الشاعر العربى الكبير نزار قبانى، الذى تحل ذكرى مئوية ميلاده هذا العام، كما ينطلق المهرجان القومى للمسرح المصرى برئاسة الفنان محمد رياض، 27 يوليو 12 أغسطس، ويتيح المشاركة لعروض مسرح الدولة والقطاع الخاص والشركات، والمجتمع المدنى وفرق الهواة والمسرح الجامعى والنقابات الفنية، ومختلف الجهات الإنتاجية، فى دورة تحمل اسم الفنان الكبير عادل إمام.
الشاهد أن التطورات والتقنيات تؤثر على كل المجالات الخاصة بالوعى والثقافة والفنون والمعرفة، وحتى الدراما لم تعد فقط من عناصر التسلية، لكنها تدخل فى صياغة الوعى، وعالم اليوم بتحولاته ومنصاته، يتطلب تفاعلًا مختلفًا، بين الثقافة والإعلام والتعليم والسياحة والآثار، لتسويق منتجات تتفاعل مع العقول والقلوب.