«يجب وضع حلول عملية قابلة للتنفيذ لوقف القتال فى السودان»، تبدو هذه الجملة هى مفتاح الحل للأزمة السودانية، وجاءت ضمن البيان الختامى الذى ألقاه الرئيس عبدالفتاح السيسى لقمة دول جوار السودان، التى عقدت بالقاهرة، بهدف وضع آليات بمشاركة دول الجوار، لتسوية الأزمة بصورة سلمية، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى، وصياغة رؤية مشتركة لدول الجوار المُباشر للسودان، لحل الأزمة وحقن دماء الشعب السودانى، وتجنيبه الآثار السلبية، القمة انطلقت من الاحترام الكامل لسيادة السودان وسلامة أراضيه وعدم التدخل فى شؤونه واعتبار النزاع الحالى شأنا داخليا، والحرص على استعادة الاستقرار والحفاظ على الدولة الوطنية حتى تتمكن المؤسسات من القيام بدورها لمعالجة تداعيات الأزمة وتعويض ما فات.
بالطبع فإن مصر معنية بأمن واستقرار السودان واستعادة المسارات الطبيعية لقطر شقيق تربطه مع مصر علاقات تاريخية واستراتيجية، بجانب أن الدولة المصرية تدفع دائما نحو البحث عن مواقف إقليمية وقارية تكون قادرة على التدخل فى الأزمات، وعدم انتظار تدخلات دولية لها تركيبتها البطيئة، وانشغالاتها بصراعات ومنافسات كبرى، تنخرط فيها الدول الكبرى، وتنعكس تداعياتها على دولنا.
قمة دول جوار السودان، التى دعا إليها الرئيس عبدالفتاح السيسى ضمت حضورا فاعلا، وشارك فيها رؤساء دول وحكومات جمهورية أفريقيا الوسطى، وتشاد، وإريتريا، وإثيوبيا، وليبيا، وجنوب السودان، بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقى وأمين عام جامعة الدول العربية وبالتالى فهى تنطلق من البناء والتفاعل مع الجهود الإقليمية التى بذلت على مدى الشهور الثلاثة الماضية.
وفى كلمته بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر، أشار الرئيس الى أن دول جوار السودان بشكل خاص، هى الأشد تأثرا بالأزمة، والأكثر فهما ودراية بتعقيداتها، مما يتعين معه توحيد الرؤية والمواقف تجاه الأزمة، واتخاذ قرارات متناسقة وموحدة، تسهم فى حل الأزمة، بالتشاور مع أطروحات المؤسسات الإقليمية الفعالة، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية، حفاظاً على مصالح ومقدرات شعوب دول الجوار، وأمن واستقرار المنطقة، ونبه الرؤساء ورؤساء الوزراء الحاضرون إلى خطورة تداعيات وانعكاسات الصراع بالسودان وأهمية دعم مساعى وقف الاقتتال، وتقديم المساعدات.
رؤية مصر التى لخصها الرئيس فى كلمته بالجلسة الافتتاحية لخروج السودان من مأزقه الراهن تركزت فى أربعة مطالب أولها، مطالبة الأطراف المتحاربة بوقف التصعيد، والبدء دون إبطاء، فى مفاوضات جادة تهدف للتوصل لوقف فورى ومستدام، لإطلاق النار، والثانى مطالبة كل الأطراف السودانية، بتسهيل كل المساعدات الإنسانية، وإقامة ممرات آمنة، لتوصيل تلك المساعدات، للمناطق الأكثر احتياجا داخل السودان ووضع آليات، تكفل توفير الحماية اللازمة لقوافل المساعدات الإنسانية، وموظفى الإغاثة الدولية لتمكينهم من أداء عملهم، والثالث هو إطلاق حوار جامع للأطراف السودانية، بمشاركة القوى السياسية والمدنية، وممثلى المرأة والشباب بهدف بدء عملية سياسية شاملة، تلبى طموحات وتطلعات الشعب السودانى فى الأمن والرخاء والاستقرار والديمقراطية، والنقطة الرابعة من مشروع مصر هى تشكيل آلية اتصال منبثقة عن هذا المؤتمر، لوضع خطة عمل تنفيذية للتوصل إلى حل شامل للأزمة السودانية على أن تضطلع الآلية بالتواصل المباشر مع أطراف الأزمة والتنسيق مع الآليات والأطر القائمة.
وهذه الآلية تضمنها البيان الختامى للقمة حيث تم الاتفاق على إنشاء آلية وزارية تعقد اجتماعها الأول فى تشاد لوضع خطة عمل تنفيذية لوقف القتال والتوصل لحل شامل للأزمة فى السودان.
وتضمن البيان الختامى توفير المساعدات الإغاثية العاجلة لمعالجة النقص الحاد فى الأغذية، وأن على المجتمع الدولى والدول المانحة تخصيص مبالغ مناسبة بشأن الأزمة فى السودان، واتفاق دول جوار السودان على التنسيق مع المنظمات الدولية لتشجيع العبور الآمن للمساعدات لإيصالها للمناطق الأكثر احتياجا فى السودان.
المؤتمر بقدر اهتمامه بالبحث عن حلول عملية للصراع، ركز على أهمية دراسة الأوضاع الإنسانية والصحية لملايين السودانيين المتضررين من جراء الحرب، حيث نبه الرئيس السيسى إلى الأزمة الإنسانية الناجمة عن الصراع بين الجيش الوطنى وقوات الدعم السريع، لأكثر من ثلاثة أشهر، والذى تنتج عنه خسائر فى المئات من الأرواح، ونزوح الملايين للداخل أو لدول الجوار، فضلاً عن الخسائر المادية فى الممتلكات العامة والخاصة، وتدمير العديد من المرافق الحيوية، بجانب العقبات التى تواجه الموسم الزراعى، مما ترتب عليه نقص حاد فى الأغذية، وتدهور المؤسسات الصحية، ونقص فى الأدوية ومستلزمات الرعاية الصحية، وهذا التدهور الحاد للوضع الإنسانى، والتداعيات الكارثية، تتطلب الوقف الفورى والمُستدام للقتال، حفاظاً على مقدرات الشعب السودانى ومؤسسات الدولة، لتتمكن من الاضطلاع بمسؤوليتها تجاه المواطنين، وهو ما يتيح الاستجابة الإنسانية الجادة، والمُنسقة والسريعة، من كل أطراف المجتمع الدولى.
الأمل أن تستجيب الأطراف السودانية لمبادرات وتحركات دول الجوار، وتستجيب المنظمات الدولية، وتضاعف من جهودها لتقديم والمساعدات الغذائية والطبية للأشقاء، انتظارا ليوم يتوقف فيه الصراع ويبدأ السودان مسارا سياسيا.