دخلت ليلى مراد إلى الاستديو لتلعب دور بطولة فيلم «روميو وجوليت» أمام المطرب إبراهيم حمودة، وذات صباح وهى تجلس فى غرفتها جاء من يقول لها: «أنور وجدى فى الاستديو يريد مقابلتك»، حسبما تروى هى جانبا من سيرتها للكاتب الصحفى صالح مرسى فى كتابه «ليلى مراد».
يذكر «مرسى» على لسانها، أنها لم تكن التقت به من قبل وحين دخل عليها، تحدث عن هدفه مباشرة دون لف ودوران قال لها: «وضعت كل ما أملك من مال مع مجموعة من الشركاء لإنتاج فيلم ألعب بطولته أمامك ويخرجه كمال سليم»، ردت ليلى: «أنا أجرى كبير جدا»، رد: «أنا حطيت كل فلوسى فى الفيلم ده ومش عايز غير ليلى مراد»، قالت: «أنا أجرى 15 ألف جنيه»، رد: «أنا بأبدأ حياتي، وإنتى لازم تساعدينى».
وافقت ليلى على بطولة فيلم «ليلى بنت الفقراء» لتبدأ مع أنور وجدى قصتها التى كانت فارقة فى حياتها الشخصية والفنية، قصة تداخلت فيها الغيرة والنميمة والمكيدة، قصة شهدت أحزانا وأفراحا، دموعا، وضحكات، طفولة فى الحب، ونضوجا فى العقل، وأحزانا لفت حياتها منذ أن كانت طفلة صغيرة.
بتعبير صالح مرسى: «كانا معا حياة عاصفة»، حياة احتوت على حقائق غريبة، فهى وافقت - بعد إلحاحه - على أن تلعب أمامه بطولة فيلم «ليلى بنت الفقراء»، واقترحت عليه أن يقوم بإخراج الفيلم بدلا من كمال سليم، الذى داهمه المرض فجأة قبل التصوير بأيام، وكان أنور وقتئذ ممثلا يلعب الأدوار الثانية، وكانت هى نجمة ملء السمع والبصر.
أثناء تصوير الفيلم اصطحبها فى سيارته ذات يوم بعد انتهاء العمل، قال لها: «يا سلام يا ليلى لو اتجوزتك وعشت معاكى على طول؟ صعقت ليلى، وعلقت ساخرة: «ياه، مرة واحدة كده»، رد:»وفيها إيه يعنى، أهو ساعات ربنا يستجيب دعا الواحد»، ثم ترك عجلة القيادة رافعا يديه إلى السماء، صائحا بأعلى صوته: «يارب تتجوزينى يا ليلى».
انفجرت «ليلى» ضاحكة، وفى لذة شديدة بدأت تشعر بهذا «الغريب» الذى يغزو قلبها، جربت هذا الشعور قبل سنوات قليلة حينما دخلت فى تجربة حب عنيفة، لكن الحبيب الذى ألهبها بكلمات الغزل لمدة ثلاث سنوات، اشترط عليها أن تعتزل الفن حسب رغبة أسرته، لكنها رفضت وافترقا، ليكون هذا الفراق عنوانا جديدا فى قصتها مع الألم، التى بدأت منذ طفولتها حين كانت تشاهد أمها تبلل مخدتها بدموع الألم من الأب صاحب الغزوات النسائية المتعددة.
جاءها «أنور» بعد فراق الحبيب الأول، وبعد أن كتبت قصتها مع الصعود الفنى والشخصى، وبعد أن توطدت علاقتها مع الملك فاروق، وأصبحت واحدة من المفضلين فى شلته، لكنها لم تقع فى حبه، بدأت علاقتها به حين فوجئت وهى فى الإسكندرية باستدعائها فى سراى رأس التين للغناء، وفى القصر ومع الحاشية غنت الكثير، وشدت بأغنيتها المفضلة عند الملك: «يا ريتنى أنسى الحب ياريت».
انتهت الليلة، لكنها لم تنته مع «فاروق» صاحب الأطوار الغريبة، عادت إلى الفندق، وفى شرفة غرفتها راحت تسترجع مع صديقتها «نوال» ما حدث مع «الملك»، كان الظلام معتما، والحديث ينساب بين الاثنين، وفجأة أضيئت الأنوار، انتفضت: «مين؟»، رد: «أنا يا ليلى»، هكذا كان يناديها «فاروق»، دعاها من جديد لتلحق به لتواصل الغناء، فعلت ذلك حتى توطدت العلاقة بينهما، كما توطدت مع أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكى.
من هذه الخلفية حطت «ليلى» فى قلب «أنور»، وحط هو فى قلبها، فبعد أيام من قوله لها: «تتجوزينى يا ليلى» كانت قصتهما معا حديث الوسط الفنى كله، وتزوجا قبل أن ينتهى تصوير «ليلى بنت الفقراء» بيومين.
كان الزواج فى 15 يوليو، مثل هذا اليوم، 1945 حسب تأكيد الكاتب الصحفى أشرف غريب، فى كتابه «ليلى مراد الوثائق الخاصة، وفى 17 يوليو أعلنا الخبر أمام أسرة الفيلم، وأحدث ضجة كبيرة، رحبت به الصحف ونسجت حوله الحكايات، كان «أنور» فتى وسيما خفيف الظل، محبوبا، أما ليلى فتحولت مع الأيام إلى نموذج لفتاة الأحلام لشباب مصر.
كانت تمثل دور الفتاة الطيبة المرحة، التى تغنى دائما، وفى تلك السنوات التى تلت الحرب العالمية الثانية كانت مصر تغلي، والمظاهرات لا تكف، والصراع السياسى يتخذ شكلا حادا، وعندما عرض فيلم «ليلى بنت الفقراء» لأول مرة فى سينما «استديو مصر» يوم 5 نوفمبر 1945 نجح نجاحا شديدا، كانت قصته تتناول حكاية حب بين فتاة فقيرة تسكن فى حى السيدة زينب وضابط غنى أرستقراطى، وتقف العقبات الاجتماعية والطبقية فى طريق حبهما، حتى ينتصر الحب فى النهاية، ومع قصة الحب الحقيقية فى الحياة بين ليلى وأنور وجدى، ازدحمت دور السينما بالناس.